الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

الشوكاني ينصف السيوطي من السخاوي

الشوكاني

سيرة

تاريخ النشر: 2020/04/02
اقرأ للكاتب
تعليق: محمد خليل الزروق
ترجم السخاوي للسيوطي في الضوء اللامع حاطًّا من شأنه، ذامًّا له، وعاب عليه كل ما ادَّعاه، وزعم أن السيوطي لازمه دهرًا واختلس بعض كتبه وكُتُبِ غيره، وأن دعواه الاجتهاد ليستر خطأه، وقلَّل من شأن تصانيفه الكثيرة بأن بعضها في ورقة، وأن كثيرًا منها دون كراسة، وفيها ما هو مختلس، قال: "وليته إذ [اختلسها](1) لم يمسخها، ولو نسخها على وجهها لكان أنفع، وفيها مما هو لغيره الكثير، هذا إن كانت المسميات موجودة كلها، وإلا فهو كثير المجازفة"(2).
ورماه بالكذب في بعض ما ادَّعى، ثم قال: "كل ذلك مع كثرة ما يقع فيه من التحريف والتصحيف، وما ينشأ عن عدم فهم المراد، لكونه لم يزاحم الفضلاء في دروسهم... بل استبد بأخذه من بطون الدفاتر والكتب... ولو شرحت أمره لكان خروجًا عن الحد، وبالجملة فهو سريع الكتابة، لم أزل أعرفه بالهوَس، ومزيد الترفع... إلخ"(3).
ودفع عنه الشوكاني ورَدَّ على السخاوي ردًّا بليغًا منصفًا، قال: "وتصانيفه في كل فن مقبولة، قد سارت في الأقطار مسير النهار، ولكنه لم يسلم من حاسد لفضله، وجاحد لمناقبه، فإن السخاوي في الضوء اللامع -وهو من أقرانه- ترجمه ترجمة مُظلمة، غالبها ثَلْب فظيع، وسب شنيع، وانتقاص وغَمْط لمناقبه تصريحًا وتلويحًا. ولا جرم، فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه. وقد تنافس هو وصاحب الترجمة منافسة أوجبت تأليف صاحب الترجمة لرسالة سماها: الكاوي لدماغ السخاوي"(4).
وذكر جملة من كلام السخاوي، ثم قال: "لا يخفى على [المنصف](5) ما في هذا القول المنقول من التحامل على هذا الإمام... قوله: إنه مسخ كذا وأخذ كذا - ليس بعيب، فإن هذا ما زال دأب المصنفين، يأتي الآخِر فيأخذ من كتب من قبله فيختصر، أو يوضِّح، أو يعترض، أو نحو ذلك من الأغراض التي هي باعثة على التصنيف. ومَن ذاك الذي يعمد إلى فن قد صَنف فيه مَن قبله فلا يأخذ من كلامه؟ وقوله: إنه رأى بعضها ورقة - لا يخالف ما حكاه صاحب الترجمة من ذكر عدد مصنفاته، فإنه لم يقل: إنها زادت على ثلاثمائة مجلد، بل قال: زادت على ثلاثمائة كتاب، وهذا الاسم يصدق على الورقة فما فوقها... وقوله: إنه كثير التصحيف والتحريف - مجرد دعوى عاطلة عن البرهان، فهذه مؤلفاته على ظهر البسيطة محررة أحسن تحرير، ومتقنة أبلغ إتقان".
ثم بيّن ما جرى عليه السخاوي في ترجمته لأهل زمنه، قال: "والسخاوي -رحمه الله- وإن كان إمامًا غير مدفوع - لكنه كثير التحامل على أكابر أقرانه كما يعرف ذلك من طالع كتابه: الضوء اللامع، فإنه لا يقيم لهم وزنًا، بل لا يَسْلَم أغلبهم من الحطِّ منه عليه، وإنما يُعَظِّم شيوخه وتلامذته، ومن لم يعرفه ممن مات في أول القرن التاسع قبل موته، أو من كان من غير مصره، أو يرجو خيره، أو يخاف شره".
وبيّن أنه من شأن المجتهدين والمبرزين في كل عصر أن يجدوا من يحط من قدرهم، ويُزري عليهم، ثم يرتفع قدرهم بعد موتهم، وينتفع الناس بعلمهم، قال: "وأما ما نقله من أقوال مَن ذكره من العلماء مما يؤذن بالحط على صاحب الترجمة فسبب ذلك دعواه الاجتهاد كما صرَّح به، وما زال هذا دأب الناس مع مَن بلغ تلك الرتبة، ولكن قد عرَّفْناك في ترجمة ابن تيمية أنه قد جرت عادة الله -سبحانه- كما يدل عليه الاستقراء - برفع شأن من عودي بسبب علمه وتصريحه بالحق، وانتشار محاسنه بعد موته، وارتفاع ذكره، وانتفاع الناس بعلمه. وهكذا كان أمر صاحب الترجمة، فإن مؤلفاته انتشرت في الأقطار، وسارت بها الركبان إلى الأنجاد والأغوار، ورفع الله له من الذكر الحسن والثناء الجميل ما لم يكن لأحد من معاصريه، والعاقبة للمتقين"(6).
_____
1- الأصل: اختلس، والإصلاح عن البدر الطالع.
2- الضوء اللامع 4/68.
3- الضوء اللامع 4/65-70.
4- البدر الطالع 337.
5- الأصل: المصنف.
6- البدر الطالع 337-343.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  6759