الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

العينية المنسوبة إلى ابن سينا ومعارضاتها

علي يونس

مقالة

تاريخ النشر: 2025/05/28
اقرأ للكاتب
اعتنى أهل الأدب والفلسفة معاً بالقصيدة العينية المنسوبة لابن سينا، في معرفة النفس، والتي يقول مطلعها:
هبطت إليك من الأعز الأرفع .. ورقاء ذات تدلل وتمنعِ
محجوبة عن كل مقلة عارفٍ .. وهي التي سفرت ولم تتبرقعِ
والقصيدة رائقة اللفظ، ومعناها يدور بين الفلسفة الأفلاطونية التي انتحلها الفلاسفة المسلمون وبين التورية بذلك بالغزل والحب، ولدوران القصيدة بين هذين المعنيين اعتنت بها الطائفتان.
وأما نسبتها لابن سينا فهي أمر غير محقق، ويقول في ذلك أحمد أمين في فيض الخاطر:
"والناقد الأدبي يقطع بأنها ليست له؛ لأنه إذا تذوَّق ما لابن سينا من شعر وأراجيز، وتذوَّق هذه العينية يرى أنها أرقى بكثير من شعر ابن سينا، فابن سينا غامض اللفظ في شعره وفلسفته، سمج التعبير، يعتمد في لغته على المعاجم، وهي وإن دلت على المعنى الصحيح للكلمات فإن وراءها ذوقًا يميز بين جيدها ورديئها وما يحسن استعماله وما لا يحسن، وابن سينا أبعد عن ذلك سواء في فلسفته أو شعره أو قصصه.
فهذه القصيدة في نظرنا أشبه ما تكون بشعر ابن الشبل البغدادي صاحب قصيدة:
بربك أيها الفلك المدار .. أقصد ذا المسير أم اضطرار"
والقصيدة من الشهرة بمكان، وقد شرحها كثيرون، وعارضها كثيرون، وولع بها الشعراء المعاصرون، وعلى رأسهم أحمد شوقي:
ضمي قناعكِ يا سعاد أَو ارفعي
هذي المحاسن ما خُلِقن لِبُرقُعِ
الضاحياتُ الضاحكاتُ ودونها
سِترُ الجلال وبُعدُ شأو المطلعِ
وايليا أبوماضي:
أنا لست بالحسناء أَوَّلَ مولَعِ
هي مطمع الدنيا كما هي مطمعي
فاقصص عليَّ إذا عرفت حديثها
واسكن إِذا حدَّثتَ عنها واخشعِِ
أما أنا فلقد تعرفت على معارضة أحمد الشارف الزليتني أصلا الطرابلسي مقاما للقصيدة قبل تعرفي على القصيدة نفسها، وقد قرأتها صغيرا ضمن كتاب أعلام ليبيا للشيخ الطاهر الزاوي، ويقول الشارف فيها:
رفرفي في الكون يا أيـ .. ـتها النفس العتيقةْ
واجمعي الرحلة واستجـ .. ـلي بها نفس الحقيقةْ
*
حلقي في عالم الأر .. واح يا ذات الخلودِ
في جمال الكون قد .. شاهدت أسرار الوجودِ
رفرفي في حضرة الإ .. طلاق من تلك القيودِ
كان إفلاتك منها .. بعد أن ضاق النطاقْ
وبذاك العالم العلـ .. ـويّ أصبحت طليقةْ
وللشيخ محمد الهادي انديشة الزليتني أصلا الطرابلسي مقاما تخميس بارع على القصيدة يقول فيه:
دع عنك ذكرى رامتين ولعلعِ
وجمال ليلى إذ بدت في المخدعِ
واسمع لقول الفيلسوف الألمعِ
"هبطت إليك من المحل الأروع .. ورقاء ذات تدلّل وتمنعِ"
أخذت أوامر من عزيز قادرِ
وهوت على كفّ الملاك الطاهرِ
وسعت إليك وإنها في الظاهرِ
"محجوبة عن كل مقلة ناظرِ .. وهي التي سفرت ولم تتبرقعِ"
ولطالما راودتني نفسي على الرفع من شأن قصيدتي الشارف وانديشة، وتفضيلهما على مثيلاتهما العربية، ولكن أقل ما يقال فيهما أنهما قصيدتان عظيمتان يحسن حفظهما أكثر من بعض قصائد الشارف المقحمة في مناهجنا الدراسية بغيرما حق، وقد اختار القصيدتين الهرامة وجحيدر في مختاراتها عن الشعر الليبي في القرن العشرين.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  8276