الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

حواشي ابن هشام على الألفية

إسماعيل أحمد حامد

مقالة

تاريخ النشر: 2024/01/27
اقرأ للكاتب
صدر لي هذا العام ٢٠٢٤م من حواشي ابن هشام الأنصاري المتعددة على ألفية ابن مالك: السفر الرابع (في مجلدين، وهو رسالتي العلمية لنيل درجة التخصص "الماجستير")، والسفر الخامس (في مجلد لطيف) عن المكتبة العمرية، جزى الله مديرها فضيلة الشيخ خالد زكى خير الجزاء.

أمَّا عن تَعدُّد حواشي ابن هشام على «الألفيَّة»، فأقولُ: قد عُنِيَ الشيخ ابن هشام رحمه الله بكُتُب ابن مالك، لاسِيَّما «الألفيَّة» و«التسهيل»، فوَضَع عليهما عِدَّة حواشٍ وتعاليقَ، فضلا عن الشَّرْح لكِلَا الكتابين، والتفسير الجامع لهذين المتنين، فوضع على «الألفيَّة» شرحين: كبير مفقود سمَّاه بـ «رَفع الخَصَاصة عن قُرَّاء الخُلَاصة»، وصغير موجود سمَّاه بـ «أوضح المسالك عن ألفيَّة ابن مالك»، ووضع شرحًا لشواهد الشَّارحِ ابنِ النَّاظِم سمَّاه بـ«تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد».

ووضع عليها-كما سبق- عِدَّةَ حواشٍ، ظهر منها حتى يومنا هذا خمس حواش، ولعلَّ الباعثَ على ذلك -مع ما سبق من عنايته بكتب ابن مالك، لاسيما «الألفية» و«التسهيل»- أنَّه قد أقرأ «الألفيَّة» مراتٍ عَدِيدةً، حتى وَرَد بأنَّه أقرأها ألفَّ مرة؛ كما ورد أن بعضهم ختمها قراءة عليه ألف مرة.

فكان ابن هشام يُعلِّق وقت القراءة أو الإقراء على نسخة من متن «الألفية» ما يعنُّ له من مباحثات ومناقشات مع الناظم وابنه، أو مع غيرهما من العلماء، ولعل من ذلك قوله في السفر الرابع عن ابن النحاس: «هذا محصول كلامه بزيادة وتصرف من عندي، فلا تنقلوه عن ابن النحاس أنه قال هذا النص، بل إن ذلك يفهم من كلامه». ويظهر منه أنه يخاطب مَن حضر من الطلبة وقت القراءة عليه. وكان في كل مرة يظهر له أشياء لم يدونها، بدليل أنها كتب الحاشية الواحدة في مُدد متفاوتة، يظهر ذلك من خلال تغيُّر المداد، واختلاف خطه ما بين المتأني والمستعجل، وكتابته حواشي في غير أمكانها مع الإحالة؛ لضيق المكان، وهذا أمر مشاهد معروف عند مَن لازم كتابًا واحدًا وعُني به درسًا ومطالعة، يظهر له كل مرة من تدريسه ما لم يظهر له في المرة الأولى، وقديمًا قالوا: «خف مِن صاحب الكتاب الواحد»، وما ذلك إلا لمعرفته الشديدة به، وشدة إلفه وتعهده وتمرسه به، ولهذا كَتب ابن هشام -ما ظهر له أنَّه بحاجة إلى كتابة وقتَ قراءتها أو إقرائها- على فصولها وأبوابها شرحًا وتفسيرًا، واستشهادًا وتمثيلًا، واجتهادًا وتحريرًا، وبسطًا وإطنابًا، واستدراكًا وتكميلًا، ومناقشة واستدلالًا، وترجيحًا واختيارًا.

ولعل من أسباب تعدد هذه الحواشي أنه رحمه الله كان مشغولًا في كل حاشية-ولا يخفى تفاوتها في الزمان- بمطالعة عدة كتب، فينقل من هذه الكتب ما يحتاجه من نصوص معلقًا عليها، إما بالتعقيب، وإما بالقبول والاستحسان، وإما بالرد والتخطئة، ناهيك عن الحواشي التي أنشأها من بنات فكره، وسيلان ذهنه، كقوله: «وهذا خطر لي»، و«هذا خطر لي نائمًا، فأثبته في اليقظة والحمدلله»، و«ولما اتضح هذا لي، قمت في استلذاذه ليلة ويومها»، وفي السفر الثالث رأيته مشغولًا بـ«شرح الألفية» للمرادي، وفي السفر الرابع كان مشغولًا بـ«شرح المفصل» لابن يعيش، و«الأمالي» لابن الحاجب، «وشرح المقرب» و«شرح الجمل» لابن عصفور، و«كتاب الغريبين» للهروي، وهذا دأب ابن هشام في قراءته، يعلق ويحشي على ما يقرأ، وقد وقفتُ على بعض ذلك بخط يده على نسخة من (سر صناعة الإعراب)، ونسخة من (التبيان في إعراب القرآن) لأبي البقاء العكبري، وغيرهما كـ(إنباه الرواة) للقفطي.

وأما عن الفرق بين هذه الحواشي، فهي مختلفة ومتباينة فيما بينها، وإن قلنا بأنها عدة شروح على الألفية، أو عدة كتب له= لم نبعد كثيرًا، ويُوجد في كل حاشية ما لا يوجد في الأخرى، وإن تشابهت بعض النصوص والتعليقات في بعض المواضع القليلة. ووضْع أكثر من شرح على الكتاب الواحد أمر موجود مشاهد لا يخفى.

وقد راسلني بعض الفضلاء قائلا: ألا يمكن طباعة كتاب التوضيح وجعل زوائد هذه الحواشي في الحاشية؟ فقلت: لا أرى طباعة كتاب «التوضيح» مع زوائد هذه الحواشي؛ لأن العلماء نقلوا منها واحتفوا بها، واعتبروها كتبًا مستقلة يُرجع إليها، وقد رجع ابن هشام نفسه إلى «حواشي التسهيل» التي هي مسودة بخطه، وأحال عليها في «شرح اللمحة البدرية»، كما أحال في «حواشي الألفية-السفر الرابع» على «النسخة الصغرى»، فقال: «وقد أوضحته في النسخة الصغرى»، وهي نسخة من حواشيه المتعددة على الألفية؛ إذ كان يعمد في كل مرة عند التحشية إلى نسخة من متن «الألفية» ويكتب عليها ما شاء الله له أن يكتب، ثم يأتي بنسخة أخرى ويكتب عليها بخلاف سابقتها، وهكذا، وذلك عند قراءتها أو إقرائها في مجالسه المتعددة؛ إذ قد شغل –كما في مظان ترجمته- بإقراء «كتاب سيبويه»، و«الألفية»، و«التسهيل»، وكتبه كـ«قطر الندى»، و«شذور الذهب»، و«التوضيح»، و«مغني اللبيب»، و«الجامع الصغير»، و«قواعد الإعراب»، وكذا تدريس علم التفسير بالقُبَّة المَنصُوريَّة، والفقه الشافعي من «الحاوي الصغير» للرافعي؛ إذ كان يقرئه أحسن قراءة.

فكل حاشية منها ككتاب مستقل قائم بذاته، وهي من قبيل كتب التعليقات والمسائل الخاطرية، وطبيعة هذه الحواشي تختلف عن «التوضيح» شكلًا ومضمونًا، وإن اتفقت في كونها على كتاب واحد، وتجريد زوائدها يُذهب بهذا الغرض، كما أنه يؤدي إلى تضخم كتاب «التوضيح» الذي وضعه لنثر نظم «الألفية»، ويخرج بنا عن غرضه الذي وضعه له؛ إذ قال في دبياجته:«وقد أسعفت طالبيه، بمختصر يدانيه، وتوضيح يسايره ويباريه».

ولا يخفى أن التحشية معروفة عند العلماء، وعرف أيضًا مَن تصدى لتجريد الحواشي؛ لنفاستها، ولحفظها من الضياع، ولعل من المفيد جمع هذه الحواشي في مكان واحد؛ وذلك بذكر كل ما يتعلق ببيت «الألفية» من هذه الحواشي، إلا أن هذا الأمر لا يتم إلا إذا عثرنا على جميع حواشيه على «الألفية»؛ فقد أحصيت منها تسع حواش، منها أربع حواش حتى الآن في عداد المفقود، كما أن هذه الحواشي التي وُقف عليها ظهرت في مُدد متفاوتة، فظهرت أولًا منها حاشيتان(الأولى والثانية: بتحقيق د. جابر بن عبدالله السُّريع؛ لنيل درجة العالمية «الدكتوراة»، ثم طبعهما الفاضل حمزة أبو توهة، ثم طبع د. نبيل صلاح سليم الأولى منهما)، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، وربما يظهر ما تبقى منها في قابل الأيام –إن شاء الله-، ولو ظهرت كلها معًا، لكان الأولى والأجدر أن تجمع في كتاب واحد ينظم شتاتها، مما يجعل الاستفادة منها على طرف الثمام، ويكون هذا الأمر من تمام الفائدة وكمال العائدة، فيوضع بيت «الألفية» وتسرد نصوص الحواشي المتعلقة بهذا البيت، مع الرمز لكل حاشية برمز ما، هكذا:
72-اسْمٌ يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقَا
عَلَمُهُ كَـ«جَعْفَرٍ»، وَ«خِرْنِقَا»
*خ1: ...
*خ2: ...
*خ3: ...
*خ4:..
وإذا ساغ لنا القول بذلك-أعني: القول بجعل زوائد هذه الحواشي في حاشية «التوضيح»-، فهل يسوغ لنا أن نقول بأن نجمع ما يتعلق بالشواهد في «تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد» في حاشية كتاب «التوضيح»؟

وأخيرًا فهذه الحواشي ليست من التآليف التي قصد ابن هشام رحمه الله إبرازها ونشرها، ولكنها تعد من قبيل التذكرة التي علقها لنفسه، فكثير منها نقول أو فوائد وتنبيهات، يثبتها ويستعين بها خوف النسيان، والرجوع إليها عند الحاجة، وقد كتبها في مقتبل عمره، واستفاد منها في مؤلفاته المتأخرة، يظهر ذلك من «حواشي التبيان في إعراب القرآن»، فقد تشابهت مناقشته لأبي البقاء فيها مع مناقشته في «مغني اللبيب»، وكذا في «حواشي الألفية-السفر الرابع»؛ إذ وجد تحرير بعض حواشيها في «أوضح المسالك».
هذا، والله أعلى وأعلم.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  4791