| رسائل من محمّد جمال الدُّرَّةمحمد شفيق البيطار | شعرتاريخ النشر: 2023/11/22 اقرأ للكاتب |
(كتبتُها بلسانِه بعدَ استشهاده في قطاع غزّة في الثّلاثين من أيلول/ سبتمبر/ عام 2000، في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى):
1 - إلى أبي: أبَتي! وماسحَ دمْعتي ودمي المُراقِ الأَثْمَنِ أنا مِن رحـاب الخُـلْدِ أُرْسِلُ أسْطُرًا مِنْ مَاْمَنِ شكرًا ففضـلُك ـ يا أبي ـ يومَ افترقنا عمَّـني أنا لسـتُ أنسى كفَّكَ المَجـروحَ لَحْـظَةَ لَمَّني ورصاصُهمْ مِنْ فَوقِنا، من أيسري، من أيمَني كان الرَّصـاصُ مُعَربِدًا كالوحشِ سـاعَةَ أمَّني فَرَدَدْتَهُ، فرماكَ يطلُبُ مُهْـجَتي إذْ شَــمَّني وســعى إليَّ بِمِخْلَبٍ مُتَعَطّـِشٍ لا يَنْـثَني فأصــابَ مِنَِي مَقْـتَلًا، فرَفَعْـتَني و لَمَمْتَني ما كانَ أدْفَـأَ صدرَكَ المَذبوحَ بي إذْ ضَمَّني!! ***** 2 - إلى أُمِّي : أُمِّي الحبيـبةَ! كانَ آخِـرَ عَهْـدِنا ذاكِ الصَّـباحْ قد كان ظَــنِّي أن أراكِ كعـادتي عنـدَ الرَّواحْ فَنَسِيتُ ـ أُمِّي ـ أنْ أُقَبِّـل نورَ وجهِكِ والوِشـاحْ ما كنْتُ أحسَــبُ أنَّني سـأََرى وُجوهَهُمُ القِبـاحْ فلقد رأيْتُ لُعـابَهُمْ و سمِعْتُ ـ يا اُمِّي ـ النُّبـاحْ و شــعَرْتُ بالأَنيـابِ تَنْهَشُـني فَتَنْدَفِق الجِراحْ فذَوَيْتُ مُنْكَسِرَ الجَناحْ وَهَوَيْتُ وانقَطَعَ الصِّياحْ أُمِّي -فدَيْتُــكِ - لا تَنـوحي ليْسَ ذا زمنَ النّـُواحْ بل زَغـرِدي! لا بُدَّ للنَّصـرِ المُقَدَّسِ مِن أضاحْ لا تَغْسِـلي ثَوْبي المُخَضَّـبَ مِن دمٍ كالنَّهرِ ساحْ وَدَعِـيهِ يَشْـهَدْ كيف تَأكُلُنا الكلابُ وَنُسْــتَباحْ ***** 3 - إلى إخوتي : أُختي الحَبيـبةَ، إخوتي!! شَـوْقي لكُمْ وَمَحَـبَّتي في دَفـتَري بَعْـضُ الرُّسـومِ لِمَسْـجِدٍ ولِقـبَّةِ عند الصَّبـاحِ رسـمْتُها ووَضَـعْتُها في جَعْبَتي لأعُـودَ أُكمـلُ رَسْـمَها في البيتِ ساعةَ أَوْبَتي فـلْتُكْمِـلُوها؛ لن أعــودَ إلَيْـكُمُ مِن غَـيْبَتي لا تَسْـألوا أُمِّي غـــدًا أو والِدي أو صُـحْبَتي عن أرْضِ قَبري؛ كلُّ أرضِ القدسِ صارَتْ تُرْبَتي ***** 4 - إلى أصدقائي : ولأصـدقاءِ الحَيِّ شَـوقٌ دائـمٌ وَرِفاقِ عُمْـري إنْ أنْـسَ لا أنْـسَ الأَزِقَّةَ والدُّروبَ ونحن نَجري و نَصُوغُ أحـلامَ الطُّـفولةِ حينَ نَنْسُجُها بِطُهْرِ حَدَّثْتُـكُمْ عن كلِّ أحــلامي الَّتي جالَتْ بِفِكري أحـلامُنا كَحــياتِنا مُزِجَـتْ بـآلامٍ وقَــهْرِ نَصْـحو فَتَصْـحو مِثْـلَنا وتَنامُ في أجواءِ ذُعْرِ لا تسـألوني أينَ صارَتْ؛ فَهْي في كَفَني وقَبْري قُتِلَتْ مَعـي بِرَصـاصِهِمْ لمَّا تَمَزَّقَ لَحْمُ صَدْري فاسْـتَبْدِلُوا الأحـلامَ بالأحـجارِِ ثُمَّ خُذوا بِثَاْري! ***** 5 - إلى أطفالِ العالَم: أطـفالَ هذا العـالَمِ المَـنْكوبِ بالمُتَوَحِّشــينا منِّي ســلامُ ذَبيحِـهِمْ أَدْعُـو لِتَبْقَـوْا سالِمينا لَمْ تَعرِفُـوني قَبْـلَ ذَبْحي والجُـناةُ يُعَرْبِدُونا لا تَحْسَبُوني واحِدًا؛ ذَبَحوا سِوايَ، ويَذبَحُـُونا بِدِمائـنا هُـمْ يَشـربونَ ويأكلونَ ويَسْـبَحونا وَبِسَـلْخِنا يتَلَـذَّذونا وبِحُزْنِنا هُمْ يَفْرَحونا أَشْـباحُـهُمْ في كلِّ زاويـةٍ نَراهُـمْ يَنْبَـحونا فَلْتَحْذَرُوا! قَد يَظْهَرُونا قِطَطًا بِكُمْ يَتَمَسَّحُونا لا تَاْمَـنوا! فَسَـيَخْدِشُونَ وُجُوهَكُمْ ويُجَرِّحُونا إنْ أبْصَـرُوكُمْ تَحْـلُمُونَ كَحُـلْمِنا أوْ تَمْرَحُونا أَوَلَمْ تَرَوْا جَسَـدي وهُـمْ في نَهْشِـهِ يَتَسابَقُونا؟ أنا لم أكُنْ في مَاْمَنٍ يَوْمًا؛ أَأَنْـتُمْ آمِـنُونا؟! ***** 6 - إلى أُمَّتي: أبنـاءَ اُمَّتيَ الكــرامْ مِنِّي التَّحـيَّةُ والسَّـلامْ ماذا أقول وقد رأيْتُـمْ؟ مَنْ رأى كُفِيَ الكلامْ أَوَتَحْسَـبُونَ بَنِـيكُمُ ناجـينَ مِن أيْدي اللّـِئامْ؟؟ وَلُحـومَنا حِـلًّا لهُمْ و لُحـومَ صِبْيَتِكُمْ حَرامْ؟؟ إنْ يَفْـرُغُوا مِنْ أَكْلِنا، أفَيَقْنَعُونَ بلا طَـعامْ؟؟ سَـيَكونُ في أبنائكُمْ لَحْــمٌ، وفي دَمِـهِمْ مُدامْ تَبْغُونَ بالصَّـمْتِ الحَـياةَ؟ ولا حـياةَ بلا كَلامْ لِحَـياتِكُمْ فَلْتُنْـطِقُوا نارَ القِصـاصِ والانْتِــقامْ تاريخُـكُمْ يُغْري بِخَـيْبَرَ أو بِتشْـرِينِ الصِّـيامْ فاسْتَيْقِظُوا! لا تَحْلُمُوا!! قد طالَ كابُوسُ السَّلامْ |
|