الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

رأي في ضبط (بأييد) في سورة والذاريات

محمد خليل الزَّرُّوق

بحث

تاريخ النشر: 2022/05/15
اقرأ للكاتب
اجتمعت المصاحف العثمانية على رسم لفظ (بِأَيْدٍ) من قوله تعالى في سورة الذاريات: (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون) بياءين (المقنع -دمشق- 47 و89 ومختصر التبيين 1142)، والمنطوق ياء واحدة، وهو من الأَيْد بمعنى القوة، أو هو جمع يد، كما قال سبحانه: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون)، (ما منعك أن تسجد لنا خلقت بيديَّ)، غير أن هذا الثاني مرجوح، لأنك لو جعلته كذلك كان نكرة، فلا يكون له نظير في هذا المعنى.
وكان من عادة نُقَّاط المصاحف أن يجعلوا على الحرف المزيد في الرسم دارة، وهو الصِّفر، علامةً على أنه غير منطوق (المحكم 193 و195 والمقنع 142 وأصول الضبط 45)، وفي هذه اللفظة اجتمع حرف غير منطوق، وحرف ساكن، فإذا كنتَ تضبط الساكن بالصفر أيضًا، كما يجري به العمل اليوم في المصاحف المغربية على قراءة الإمام نافع، اجتمع صفران، ولم يتبين الأصل من الزائد، فاختار كثير من ضابطي المصاحف أن يجعلوا على الزائد -وهو الياء الآخرة هنا على ما اختاروا أيضًا- علامةَ الزيادة -وهي الصفر- وأن يجعلوا على الياء الأولى علامةً للسكون قديمةً لأهل الأندلس، وهي الجرَّة على هيئة الفتحة (الطراز 402، ودليل الحيران 325).
وهذا مُشكل ومُلبس، لأنه يشتبه بالفتحة، والجرة التي هي كالفتحة علامةً للسكون إنما كان يُضبَط بها حين كانت علامةُ الفتحة نقطةً فوق الحرف على طريقة أبي الأسود، حين لم يَدخل ضبطُ أهل العربية الذي وضعه الخليل بن أحمد المصاحف، كما تراه في كتب أبي عمرو الداني (-444هـ) وأبي داود بن نجاح (-496هـ)، وهما من المائة الخامسة (المحكم 51 وأصول الضبط 45). وقد نبَّه على ذلك التَّنَسي فقال في الضبط بالجرة علامةً على السكون: "غير أن مذهبهم إنما يحسن مع نقط الدؤلي" (الطراز 96).
وقد جمعَتْ مصاحفُ بين الصفرين، كما في هذا المصحف برواية ورش أجازه الأزهر سنة 1975م [صورة 1]
أو هذا المصحف برواية قالون، طبع في تونس بلا تاريخ [صورة 2]
غير أن هذا يستعمل الألوان، فجعل للزائد في رسمه وضبطه اللون الأشهب، وبعضها تبع ابن الجزري (النشر -الضباع- 1/458) في اختياره أن يكون الزائد الألف، والياء الأولى صورة الهمزة، فضبطه بدارة على الألف وعلامة للهمز على الياء الأولى.
ورأيت مصحفًا أندلسيًّا من المائة السابعة ضُبطت فيه الياء الأولى بالصفر وعُريت الأخرى [صورة 3]
والذي أختاره للمصاحف المغربية التي تجعل علامة السكون صفرًا -إذ لا إشكال في المصاحف المشرقية، لأن علامة السكون فيها رأس الخاء أو الجيم أو الحاء، على الخلاف في أصل ذلك، هو من خفيف أو جزم أو استرح- أحد وجهين:
• فأحسن الوجهين أن تماز علامة الزيادة من علامة السكون، بأن يكون صفرُ علامةِ الزيادة مستطيلًا، فيجعل الصفر المدور للياء الأولى، والصفر المستطيل للياء الآخرة.
• فإن لم يتأت ذلك فلا بأس من الجمع بين الصفرين المتماثلين، مع التنبيه على ذلك في ختام المصحف.
وأما ضبطه بجرة على الياء الأولى، وصفر على الياء الآخرة فلا أراه لائقًا، لأنه يوقع في لبس بيِّن، إذ الجرة فوق الحرف كالفتحة، ولا تستعمل في المصحف اليوم علامةً للسكون، وما جرى عليه عمل المتأخرين مرجوح، والأولى تركه، وقد سبق إلى التنبيه على هذا الإشكال الدكتور أحمد شرشال في غير موضع، منها تعليق على أصول الضبط ص45.
والضبط كله اصطلاح يختلف باختلاف الأعصار والأمصار، وليس كالرسم الذي يجب الوقوف عنده بلا زيادة أو نقصان، وتأمل كيف انتقل المصحف الإمام على عهد الصحابة الخالي من نقط الإعجام ومن كل ضبط، إلى مصاحف اليوم المشكولة بعلامات أهل العربية مما وضعه الخليل بن أحمد، والمطبوعة بألوان تدل على أحكام التلاوة.
والله أعلم

وكتبه محمد بن خليل الزروق
في إسطنبول
في غرة رمضان 1443 الموافق 1/4/2022

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  8983