الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

عُقلة وعِناق

المكّي أحمد المستجير

مقالة

تاريخ النشر: 2022/03/06
اقرأ للكاتب
وُلِدَ في زمن معتقل العقيلة، الذي شهِد أحد أبشع صور الإبادة الجَماعيّة في القرن العشرين، وكانت على يد الاحتلال الإيطاليّ.
لا يُعلَم في أيّ سنة -تحديدا- من سنوات الاستئصال، الفاشيّة المنسيّة، التي ولد بها. فقد كانت "العقيلة" خارج التاريخ، وربّما ما تزال كذلك. حاول عمُّه، مرّة، تحديد زمن ولادته فقال: "إنّه وُلِد بعد فَقْدِ نصف القبيلة، وقبل أن يُفرَج عن أوّل فوجٍ من المعتقلين، بعد إعدام سيدي إعْمَرّ (المختار)".
لم يُطلقوا عليه اِسما، بادئ الأمر، حيث سبقه أخوةٌ وأخوات لم يُكتَب لهم النجاة ودُفنوا مُفرَّقين. وما أن قاوم جسده الغضّ المجاعة والأوبئة وعوامل التعرية، وتزامنَ ذلك مع الإفراج عن بعض أعمامه، وإخوته الأكبر سنّا، من المعتقل؛ حتى اِستبشروا به؛ فأسموه "سالم".
كانت نجاتُه مُعجزةً ومجيؤه مَرحَمة!
وُلدَ سالمٌ مُقاوما منذ النَّفَس الأوّل له، بحَنانةٍ لا قذى فيها.
بعد عقودٍ من نجاته، صار من روّاد التعليم في مدينة درنة، ثمّ من وجوه الإعلام في برقة، ثمّ من رجالات الثقافة في ليبيا؛ فقاد مع رفاقه؛ خِصيصى رفيق دربه وكربه "سي حسن لملوم" مشروعَيْ: المراكز الثقافيّة القوميّة والسينما المتجوّلة في المحافظات الشرقيّة، ورفقة الحازم "محمّد بن سعود" تأسيسَ جمعية الكفيف الليبي.
وبعد أقلّ من 4 عقود من سلامته؛ صار سالمٌ وكيلا لوزارة الإعلام والثقافة ببنغازي.
كان شُعلة عطاء ظنّها الناس لن تخبو، مبادرا، صاحب همّة لا تفتر، كأنّي به يُسرِعُ الخطى نحو الشمس، مسابقا غروبها، متجنّبا الالتفات إلى الوراء؛ خوفا من العودة إلى المعتقل.
هو جدّي الحاج "سالم اكريّم" الوجيه الحنون، المقاوم النزيه، الشَفوق النبيه، الذي أصرّ على تسميتي المكّي، رافضا الاسم الرّسميّ لي. رحمه الله رحمة واسعة (ت 2013م).
منذ أسابيع، أُريتُ في المنام أنّي أعانقه، ومعنا رفيق دربه "سِي حسن لملوم"، وأنا أبكي وهم يبكون، وكُلّنا شبابٌ في عُمُر مُتقارب. صحوتُ وبردٌ بين جوانحي وسلامٌ على قلبي، بعد لأواء امتدّت شهووورا طويلة. والظنّ بالله أنّها رؤيا خير.
رحم الله أجدادنا الأفذاذ وأسلافَنا الروّاد.
ومن كان جدُّه حيّا؛ فليُجِدّ في عِناقه، وليغتنم أوقات وصاله؛ فإنّها لُحيظاتٌ مهما استطالت. وإنّ في القلب مساكنَ لا يملؤها سوى عطف الجد وذكرياته؛ فعَمّروها قبل أن تخسروها.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  3402