الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

العَرَنْجِيَّة

محمد خليل الزَّرُّوق

بحث

تاريخ النشر: 2022/01/25
اقرأ للكاتب
(1)
هذا كتاب فريد في بابه، وقد نقل مبحث إصلاح عربية العصر نقلة ذات بال، وهو الفن الذي كان يسمى قديمًا: لحن العامة ولحن الخاصة، وسمي حديثًا: الأخطاء الشائعة، والنقلة في هذا الكتاب هي في تعرف أصل كبير من أصول الداء في عربية العصر، وهو أنها تحذو حذو الألفاظ والأساليب الأعجمية في الإنكليزية والفرنسية، بل صارت على ألسنة أكثر الكاتبين والمتكلمين بها حتى الأدباء والمتخصصين في علوم اللغة والأدب مسخًا عجيبًا لا إلى هذه ولا إلى هذه، وهو ما نحَتَ له الأستاذ الفاضل الترجمان أحمد الغامدي صاحب الكتاب هذه اللفظة: العرنجية، أي: العربية الإفرنجية، فهي ليست أخطاء تُعَدُّ، أو لحونًا يُنَبَّه عليها، بل هي داء دويٌّ مُعْضِل، وله أصل يُعْرَف، وهو أنها ألفاظ وأساليب مترجمة حرفًا حرفًا عن ألسنة أقوام آخرين لهم أساليبهم وألفاظهم ونحوهم وتصريفهم ومجازاتهم، فإذا نُقل ذلك كما هو إلى العربية كان غريبًا عنها مجافيًا لسُنَّتها، وكثيرًا ما أخلَّ بقوانينها النحوية والصرفية، وهذا ما دأب الناس على محاولة تصحيحه، فأفضى الأمر إلى سرد طائفة من الألفاظ تُحفظ ويُتَحَفَّظ منها، ولها مقابلات تحفظ أيضًا لتُستبدل بها، ولم يتنبهوا في الغالب إلى مأتاها، ولا إلى خطورة ما يشيع منها صحيح الظاهر من قِبَل القريب من النحو، وهو الإعراب، وأصول الرتب من الفاعلية والمفعولية والابتدائية والخبرية ونحوهن، عليل الباطن بمجافاته سَنَن العرب في التعبير عن المعاني.
(2)
وكان من أقدم من ذكر شيئًا من ذلك الشيخ إبراهيم اليازجي (1263-1324هـ = 1847-1906م) شيخ التصحيح اللغوي في العصريين في كتابه "لغة الجرائد"، قال (ص 41): "ويقولون: انظر إن كان زيد في داره، وسله إذا كان الأمر كذا، فيأتون بإن وإذا في هذا الموضع، وهو من التعريب الحرفي عن الإفرنجية"، وقال (ص 56): "ويقولون: أزوره رغمًا عن هجره لي، ولا معنى للرغم هنا، إنما هو من التعريب الحرفي، والذي يقال في هذا المقام: أزوره مع هجره لي، أو على هجره لي، وهو المعنى المراد من التعبير الإفرنجي"، وقال (ص 61): "ويقولون: رأيته أكثر من مرة، وجاءني أكثر من واحد، ومقتضاه إثبات الكثرة للمرة وللواحد... والظاهر أن هذا التعبير منقول عن التركيب الإفرنجي، والعرب يستعملون هنا لفظ غير، ويقولون: رأيته غيرَ مرة، وجاءني غيرُ واحد"، وقال (ص 94): "ويقولون: اعتنق دين كذا، أي صبا إليه ودان به، وهو من التعريب الحرفي عن اللغات الأوربية، واللفظ العربي في هذا المعنى: انتحل دين كذا";، وقال (ص 100): "ويقولون: هذا الأمر قد عُرف من فلان، يعنون أن فلانًا عرف به، يعنون أن فلانًا عُرف بالأمر، فيبنون الفعل للمجهول ثم يذكرون الفاعل المحذوف ويجرُّونه بمن، وهو من التعريب الحرفي عن اللغات الأوربية"، وقال (ص 104): "ويقولون: فعل كذا بصفته مأمورًا، وكأن هذا من التراكيب المعربة عن اللغات الإفرنجية".
ومن قدماء من بحث هذا الأمر، شاكر شُقير اللبناني (1266-1314هـ = 1850-1896م) في كتاب سماه: "لسان غصن لبنان في انتقاد العربية العصرية"، وقال فيه (ص 6-7): "إن مدار بحثنا في هذا الباب على ثلاث قضايا أولية، ويتفرع منها غيرها، وهي: التعريب، والخطأ في قواعد اللغة العربية، واستعمال بعض ألفاظها في غير محله. فأما التعريب فهو صناعة دقيقة تقتضي جودة المعرفة في اللغتين، أي العربية والفرنجية، ولكوني أعرف اللغة الفرنسوية يكون بحثي فيما يترجم منها... ولا يجهل أحد أن لكل لغة اصطلاحات وأساليب خاصة لتأدية المعاني، فلا يصح اتخاذ الأسلوب الإفرنجي بصورة عربية، ولا العربي بصورة إفرنجية، فالفرنسيون يقولون مثلًا "..."، فهل يصح أن نترجمها حرفيًّا ونقول: هذا معروف جيدًا مثل صباح الخير؟... وسنأتي على عدة عبارات سقيمة الترجمة، ونوضح كيفية تعريبها".
ومن الأساليب الفرنسية التي ذكرها: طلب يد فلانة، لعب دورًا، فعل ذلك على رغم صفاته الحسنة، فلتحفظك السماء، وصلت السفينة إلى مياهنا، كلما اجتهدت كلما نجحت، سأزورك غدًا قال فلان، أي بتقديم المقول على فعل القول، قتل الوقت، قرأت في وجهه الغضب، هو أخي أو شقيقي، باستعمال أو في التفسير، ومحلها محل أي في العربية، الصوت والتصويت بمعنى الاختيار والتأييد.
(3)
وتجد بحثًا لهذا أيضًا، ولكن على وجه الإباحة والاستحسان، فيما كتبه الشيخ عبد القادر المغربي نائب رئيس المجمع العلمي العربي في دمشق (1284-1375هـ = 1867-1956م)، وكان ذلك أولًا في كلمة جعل عنوانها: "الكلمات غير القاموسية"، ألقاها في جلسة للمجمع، ونشرت في مجلة المقتطف (71/144) في شهر آب من سنة 1927م، ثم في مجلة المجمع (8/29) في شهر كانون الثاني سنة 1928م، والكلمة استفتاء لأعضاء المجمع فيما لا نجده في المعاجم من الألفاظ والعبارات المستعملة، وجعلها سبعة أقسام، وقال في القسم السادس منها: "أساليب أو تراكيب أعجمية تسربت إلى لغتنا مترجمة عن اللغات الأوربية، وهي مما لا يعرف العرب الأقدمون، وهذا كقولهم: ذر الرماد في العيون، عاش ستة عشر ربيعًا، وضع المسألة على بساط البحث، لا جديد تحت الشمس، ساد الأمن في البلاد، في نظير ذلك، وهذا مما استفاض بيننا، وتعاورته أقلامنا، ولا أظن أحدًا ينازع في جواز استعماله، اللهم إلا الذين أصيبوا بالوسواس اللغوي".
وقد أجاب عن هذا الاستفتاء تسعة عشر من العلماء من الأقطار العربية، وكان رأيهم في هذا القسم الإجازة، فمنهم من أجاز بلا شرط، ومنهم من أجاز بشرط ألا تخل العبارة بقوانين العربية في المفردات والتراكيب، ومنهم من زاد أن يقبلها الذوق السليم، وبعضهم زاد ألا يكون لها مقابل في العربية، وحجة من أجاز أنها مجازات واستعارات، وهذه لا حجر عليها، ولا مانع من اقتباسها. [وانظر الاستفتاء وأجوبته فيما جمعه وعلق عليه العاجز بعنوان: الكلمات غير القاموسية، ونشرته دار اللباب في إسطنبول سنة 1440هـ = 2019م].
وخالف في هذا اثنان، أحدهما الأستاذ إسعاف النشاشيبي (1300-1367هـ = 1882-1948م)، وقال: "وفَرْضٌ أيضًا اليوم نبذُ كل تركيب غير عربي يلتبس فيه معنى الكاتب، ولا يهتدي إلى المقصود القارئ، ولكل لسان أسلوب، والتسامح في هذا الشأن الآن فيه الهلاك". وقد تمحل الأستاذ المغربي في فهم كلام الأستاذ النشاشيبي على طريقته حين لخص الأجوبة ومال بها إلى ما يقارب رأيه، ففهم من قول النشاشيبي: "يلتبس فيه معنى الكاتب..." أنه قيد ذو مفهوم يخرج ما ليس موصوفًا بهذا، والظاهر أنه قيد كاشف، وعلى هذا فهمه الأمير شكيب أرسلان.
والمخالف الآخر الأمير شكيب أرسلان (1286-1366هـ = 1869-1946م)، واحتد في استهجان ذلك ومنعه، قال: "وإني لا أميل إلى قبول هذه التراكيب، وإني أحب أن أسدَّ عليها الباب، ولو كانت هي عندي درجات، لأن منها ما ينطبق على الذوق العربي، ومنها ما يقرب، ومنها ما هو نافر. وإني لأعجب كيف أن أكثر الإخوان قبلوا هذا الصنف، وقالوا: إن لم يكن فيه ما يخالف القواعد النحوية واللغوية فإننا نقبله. أفيكفي هذا؟!... فإني أرى خطر هذه الجمل عربية الظاهر أعجمية الباطن أشد بكثير من خطر المفردات الأعجمية... وليس هذا من باب المجاز والكناية والتشبيه، بل هذا من باب أساليب العرب وعدمها، والحكم فيها للذوق العربي... [و] ليست من باب قبول المعرَّب، ولا من باب قبول المصطلحات الفنية، فتلك أمور قضت بها الضرورة، ثم لا يخشى منها فساد اللغة، وأما هذه فإنها تذهب بطلاوة الإنشاء العربي وتهجِّنه بعد أن كان خالصًا... إني أكره هذه الجمل وأكره قائليها، ولولا قليل لأعلنت: إني لا أريد أن تكون لي علاقة بهم، هؤلاء أعداء اللغة العربية، ومفسدو بيانها، ومهجِّنو نسبها".
وهو فوق ما سلف يستدل بأن أهل اللغات الأخرى لا يقبلون دخول أساليب غريبة إلى لغاتهم، ويقولون: إنها لا تُفهم، قال: "طالما عاشرنا أدباء من الفرنسيس، وترجمنا لهم جملًا من العربية إلى لغتهم، وذلك بأحسن بيان وأفصحه بلغتهم، وكانوا يجاوبون:... ليس هذا بإفرنسي! كانوا يعترفون بأنه ليس في هذه الجمل أدنى شيء يخالف نحو لغتهم أو صرفها أو بيانها، ولكنه يخالف أسلوبها وذوقها. وكثيرًا ما ترجمتُ جملًا من الإفرنسية إلى الألمانية، ولم أخْطئ فيها من جهة القواعد، وكان الألمان يقولون: نحن لا نقول هذا، ومن لا يعرف الإفرنسية لا يفهمه. فاتقوا الله -إيها الإخوان- في لغتكم وإنشائكم، وصكوا الباب على هذه الخوانس التي لا تزيد لغتنا رونقًا، بل تفسدها، والتي لا تمس إليها أدنى حاجة".
(4)
ثم عاد الشيخ عبد القادر المغربي فنشر بحثًا في أول أعداد مجلة المجمع الملكي المصري (1/332)، وهو عضو فيه، وسماه: "تعريب الأساليب"، يعني استعمالها في العربية وقبولها كما عُربت الألفاظ، وهو بتاريخ رجب 1353هـ = تشرين الأول 1935م، وقال فيه: "ليس بين أدبائنا كبير نزاع في أمر قبول الأساليب الأعجمية وعدم قبولها... فالباب مفتوح للأساليب الأعجمية تدخله بسلام، إذ ليس في هذه الأساليب كلمة أعجمية، ولا تركيب أعجمي، وإنما هي كلمات عربية محضة ركبت تركيبًا عربيًّا خالصًا، لكنها تفيد معنى لم يسبق لأهل اللسان أن أفادوه بتلك الكلمات، فقولهم: طلب فلان يد فلانة، كلمات عربية مركبة تركيبًا عربيًّا، لكنا إذا خاطبنا بها العربي القح لم يفهم منها المغزى الأعجمي... وقد حاول بعضهم أن يمنع استعمال الأسلوب الأعجمي إذا كان في الأساليب العربية ما يغني عنه، ورُدَّ بأن المحققين لم يشترطوا في تعريب الكلمة الأعجمية أن يكون في اللغة العربية ما يغني عنها".
ثم نقل عن أبي هلال العسكري في الصناعتين (ص 69 ط الحلبي) أن عبد الحميد الكاتب (-132هـ) "استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها لمن بعده من اللسان الفارسي"، يعني صِيَغها، وفي رأيه أن نقل أبناء العصر الحاضر أساليب اللغات التي تعلموها كذلك، قال: "فيجدر بنا -نحن المنقطعين لخدمة اللغة العربية في المجامع اللغوية- أن نتقصَّى هذه الأساليب الأعجمية الدخيلة، فندونها كما دوَّن من سبقنا الكلمات الأعجمية المعرَّبة، ونميِّز الغث من السمين من تلك الأساليب".
ثم أخذ يقسِّم ويمثِّل، وأكثر أمثلته من اللغة الفرنسية، وذكر أن قسمًا من هذه الأساليب تواطأت عليه اللغتان وليس اقتباسًا، فهم يقولون كما نقول: أكل لحمه، بمعنى اغتابه، وهو ذَرِب اللسان، بمعنى قوي العارضة في الجدل، وقسمًا ظاهره أنه منقول عن الإفرنج، نحو: ما عاد فلان لي صديقًا، وهو عن الفرنسية، وهو يرى أنه لا يُستطاع التعبير عن هذا المعنى إلا بذلك، وهو أنه كان صديقًا ثم لم يكن، وزعم أن عاد في العربية تؤدي هذا المعنى، أقول: ولكن صوابه أن تقول: عاد غير صديق، لأن النفي ليس لفعل العود، ولكن لما بعده، وهذا مع تصحيحه جارٍ على غير الأكثر، لأن عاد في العربية الأكثر فيها أنها لما كان على مثل ما صار إليه، نحو: (حتى عاد كالعرجون القديم)، والحديث: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا"، ومن غير الأكثر الحديث: "فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبَقًا"، وقال ربيعة بن مقروم من كلمة مفضلية:
فدارت رحانا بفرسانهم فعادوا كأن لم يكونوا رميما
ومثله رجع وارتد، ولعاد استعمالات أخرى كما هو ظاهر، لا أطيل بذكرها.
ومن الأساليب التي سوَّغها لقربها من العربية: تبادلا التحيات وتبادلا الشتائم، وبكى بدموع حارة، وبكى بكاء مرًّا وبمرارة، وسافر برغم المطر، وأثر عليه، وقرأتُ الرافعيَّ ودرسته، وسرد قدرًا من هذه الأساليب التي يرى قربها من أساليب العربية، ثم ذكر عبارت لا يرى شكًّا في عجمتها، منها: عاش ستة عشر ربيعًا، ويكسب بعرق جبينه، ويلعب بالنار، ولا جديد تحت الشمس، وأعطاه صوته، وساد الجهل، وأنقذ الموقف، وقال بدوره، وهذا حجر عثرة، وضحكة صفراء، وفعل ذلك كرئيس وبصفته رئيسًا، ومسألة بسيطة، ورجل بسيط، ومعرفة سطحية، والحفل برعاية فلان، وهو أستاذ بمعنى الكلمة، وتعذيب الضمير، وسؤال بريء، وشاعر لامع، وفعَلَه على ضوء كذا، وعناصر الموضوع، ومدرسة فلان، أي مذهبه، واعتنق الإسلام، وحرق البخور، وذهب ضحية كذا، وبشَّر بالدين، ويعمل في حقل كذا، وجميل هو الكتاب، وهذا الأخير كما ترى ليس عيبه من قِبَل المعنى، ولكن من قِبَل التركيب.
ثم عاد إلى شرط الذوق في القبول والرد، ورأى أن في هذا الشرط عسرًا، لاختلاف الأذواق، وذكر أمثلة لما استهجنه الأدباء، وأكثر هذه الأمثلة مما ورد في مقالات الكلمات غير القاموسية، ومنها: عصارة دماغه، وهو دودة كتب، وأتُّون من الموسيقى، وكُتُبه كآذان الكلاب، أي يطوي أطرافها ليعود إليها، وهو يعمل ضد فلان، وانتهى إلى أن قال: "مَن عَرض له أسلوب لا عهد للعرب به، واستساغه ذوقه، وأحب نقله إلى العربية فليفعل، وإذا اتفق أن كان ذوقه سقيمًا، وكان الأسلوب في نفسه سمجًا عقيمًا، كان على جهابذة اللغة والأدب أن يُزَيِّفوه، ويعلنوا قبحه وهُجْنته، فيتحاماه الناس"، ثم استدرك على نفسه فقال: "ومع هذا كثيرًا ما شاع الأسلوب القبيح، وتداولته الأفواه والأقلام، برغم نقد جهابذة الأدب له، وزراية الرأي العام عليه"، ثم سوَّغ مذهبه في الإباحة بوجود المجامع، فقال: "والبلاد التي فيها مجامع لغوية يمكنها أن تعمل على إماتة الأسلوب القبيح بما لديها من القدرة الشاملة، والوسائل الكافلة، كما هو المنتظَر من مجمع اللغة العربية الملكي". وهذه أماني كواذب، فلا يأخذ بقرارات المجامع إلا المجامع، فضلًا عن أن يعلم سائر الناس ما تبحثه وتُقِرُّه، أو أن يطَّلعوا على ما تؤلفه وتنشره.
(5)
وللشيخ محمد تقي الدين الهلالي (1311-1407هـ = 1894-1987م) كتاب "تقويم اللسانين"، وهو مجموع مقالات، وهو في تتبع اللحن على الألسنة والأقلام، وكثير مما ذكره علته الترجمة، ونبه على ذلك، وأول ما بدأ به قولهم: جئت كضيف، وسمى هذه الكاف الكاف الاستعمارية! وزيد شاعر بينما خالد كاتب، ونكران الذات، والنشاطات، والسابع والأخير، وكم هو جميل، وأتمنى لك النجاح، وتنبأ بمعنى توقع، وأدى واجبه نحو والديه، وسلام حار وشكر حار، وأما عن فلان، والشهر القادم، ورجال الدين، وعملية طبية وعسكرية ومصرفية، وعلى ما أعتقد.
وممن ينبه على هذه الأساليب المترجمة في كتبه وأبحاثه الدكتور مصطفى جواد (1323- 1389هـ = 1905-1969م)، ولكنها مفرقة في بحثه للمسائل، نحو رده أسلوب: كان تحت رحمته، إلى الفرنسية (قل ولا تقل 2/13)، وذهب إليه مباشرة، إلى الفرنسية والإنكليزية (قل ولا تقل 2/39)، وأكد على الأمر، إلى الفرنسية (مجلة المجمع العلمي العربي 24/401)، وغير ذلك كثير.
وللدكتور إبراهيم السامرائي (1341-1422هـ = 1923-2001م) مقالة بعنوان: "تعابير أوربية في العربية الحديثة"، وأظنني رأيتها في غير كتاب له، وفي غير مجلة، ولكني أنقل الآن من كتابه: "معجميات" المنشور سنة 1991م، وقال في أولها: "طائفة من هذه الأساليب لم تستفد منها العربية غنى وثروة لغوية، فقد تُرجمت وحشرت في العربية، وكان سبب ذلك كله جهل من تصدى للترجمة بأصول العربية وفنون القول فيها، فلم يتيسر لهم نقل الأفكار الغربية بأسلوب عربي... ولا ضير على العربية من دخول طائفة من هذه الأساليب، بل ربما أفادت منها وغنيت ونمت". ومن المعيب أنه استشهد بعبارة للشيخ المغربي من بحثه المذكور هنا على أنه من مقررات المجمع المصري. ثم سرد قدرًا كبيرًا من هذه العبارات وردها إلى أصلها في الإنكليزية أو الفرنسية، أو إليهما معًا.
ومن العبارات التي سردها: ابتسامة هادئة، يبكي بدموع التماسيح، وذكر بيتًا لابن المعتز فيه هذا التعبير منبِّهًا على أنه في العربية الحديثة لم يؤخذ من أصل قديم ولكن من اللغات الأوربية، وهذا شيء يغفل عنه كثير من الناس، إذا قلت لهم: هذا تعبير مستجلب، بحثوا عنه أو عن نظيره في التراث، فإذا وجدوه بنوا عليه أن شيوعه كان عن ذلك الذي فتشوا عنه في التراث، ويكون الناس الذين استعملوه أول الأمر لا علم لهم به، وإنما أخذوه من اللغات الأوربية، نعم يصلح شاهدًا لإباحته، بشرط أن يُقصد به مثل الذي قصده المتقدم، وهذا حديث يطول، وسيأتي شيء منه في كلام الأستاذ أحمد الغامدي.
ومما ذكر: يسهر على المصلحة العامة، كرَّس حياته، قال بالحرف الواحد، دفع الثمن غاليًا، ركز البحث في هذه النقاط، بلور الفكرة، مؤتمر المائدة المستديرة، على نطاق واسع، في إطار ضيق، بالعين المجردة، إن لم تخني الذاكرة، التراب الوطني، جرح شعوره، أخذ بنظر الاعتبار، التيارات الأدبية، مع تمنياتي، الحياة الأدبية والسياسية والاقتصادية، ضرب الرقم القياسي، الأعمال الكاملة للكاتب، لا يرقى إليه الشك، في برج عاجي، عاش التجربة، لنقلب الصفحة، المعطَيات، يعلق عليه أملًا، يعكس الحالة الاجتماعية، الجنس اللطيف، تغطية النفقات، ينظر من زاويته، تبنَّى الفكرة، أعطى الكلمة وتناول الكلمة، سابقة خطيرة، يهضم الأفكار، هو مَرِن، عاصفة من التصفيق، نقطة انطلاق، إلى اللقاء، تصفية القضية، الجيل الصاعد، ضحكٌ على الذقون، ألوان صارخة، نقد مُرّ.
ثم ألم بالفرق بين ما يُستعمل في المشرق، وهو يغلب عليه اتباع اللسان الإنكليزي، وما يستعمل في المغرب، وهو يغلب عليه اتباع اللسان الفرنسي، كالمشكل في الغرب، ويقابله المشكلة شرقًا، لأن اللغة التي يتبعونها تذكِّر أو تؤنث، ومثل ذلك: وضعية في المغرب، ووضع في المشرق، والأطر ترجمة للكوادر في المغرب، وكلاهما فرنسي، أحدهما بلفظه والآخر بمعناه، وهو في المشرق بلفظ الكوادر.
(6)
وجاء كتاب الترجمان أحمد الغامدي "العرنجية" المنشور سنة 1443ه = 2021م لدى دار تكوين في لندن - واسعًا مجدِّدًا في هذا الباب، وهو يقول: إن الأمر ليس في ألفاظ أو عبارات تُقبس أو تُعَرَّب، كما كان يظن العلماء السابقون، ولكنه في تسلط اللسان الإنكليزي واللسان الفرنسي على اللسان العربي، ومسخ استعماله بكُلِّيته في نحوه وصرفه ومتنه وأسلوبه، فصار على ألسنة أهله وأقلامهم خَلْقًا هجينًا، ظاهره عربي، وباطنه إفرنجي، باتباعه ألفاظ اللغات الأوربية -ولا سيما تينك اللغتين- وتصاريفَها وتراكيبها وأساليبها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وليس ذلك على ألسنة العامة وفي كتابتهم فحسب، بل فيما يقول ويكتب الأدباء والمتخصصون في اللغة العربية والأدب العربي والتراث العربي والعلوم الإسلامية، ولا يكاد يسلم من ذلك أحد. ومن الواضح أن الأمر استفحل منذ نحو ستين أو سبعين سنة، وكانت الحاجة ماسة إلى تجديد النظر فيما فعلته اللغات الأوربية باللغة العربية في استعمال أهلها لها.
وهو يردُّ ذلك إلى شيوع الترجمة عن اللغات الأوربية منذ المائة الثالثة عشرة الهجرية الموافقة للمائة التاسعة عشرة الميلادية، على أنه ليس مَرَدُّ ذلك إلى الترجمة وحدها، فكل الأمم تترجم وتقتبس العلوم، وقد ترجم أهل اللسان العربي مئاتٍ من السنين، فما ضر ذلك لغتهم هذا الضرر، ولا بلغ بهم البعد عن أصلها هذا المبلغ، بل مَرَدُّه إلى قلة الزاد من العربية الفصيحة، وهو ما ذهب بالأذواق والملكات، ثم إلى الترجمة الرديئة، وهو ما ملأ العقول وطبع الأذواق، ثم إلى قلة الغيرة على حال اللغة في استقامتها وسلامتها، وهو ما أقلَّ الاعتناء والإصلاح، ولم ينج من ذلك بعضَ النجاة إلا الذين أقبلوا على موارد الفصاحة فتضلعوا منها، وكانت لهم حميَّة وأنَفة في شأن اللغة فحرصوا عليها، كما هي الحال في أغلب الأمم القوية، وههنا جرثومة الداء، وهو أن هذه الأمة التي استُحفظت لغة العرب ضعفت فهانت فغُزيت فذلت فاتبعت الغازين المتغلِّبين، وضاع استقلالها في كل الشئون.
ومؤلف الكتاب يظن أو هكذا ظهر من كلامه أن اللسان العربي في عمره الذي نعرفه منذ الجاهلية إلى اليوم لم يطرأ عليه هذا التغير إلا في عهد الترجمة الرديئة في نحو مائتين مضتا من السنين، والنظر الفاحص يدلنا على أنه قد كانت لكل أنحاء اللغة أطوار، ليس في الألفاظ فحسب، بل في النحو وهو التركيب والأساليب، وإلا فلماذا تركوا الاحتجاج بكلام المولدين؟ ولماذا وُضعت كتب اللحن؟ والتاريخ للغة في المفرادات والتراكيب والأساليب ما زال أرضًا بكرًا هامدة تطلب الغيث والحرث، فلسان الجاهلية وصدر الإسلام غير لسان مخضرمي الدولتين، وهذا غير لسان متأخري العباسيين، وهلمَّ جرًّا، وإن كان ما يجمعها أكثر مما يفرقها، وبنزولنا في الزمن نبتعد عن لحم اللغة الحي الذي تجري في عروقه دماء الفصاحة الأولى، حتى نقف على عظام من اللغة تكتفي بإعراب الأواخر، ثم رمَّت هذه العظام ولم يبق منها إلا القليل.
(7)
وقد قسم المؤلف الكتاب أقسامًا بعد مقدمتين في معنى العربية الفصيحة، وفي نشأة العربية المعاصرة، فأفرد قسمًا للنحو وقسمًا للصرف وقسمًا لمتن اللغة وقسمًا للأساليب، ووضع خاتمة في الوسيلة إلى تقويم اللسان، وفي كل ذلك يورد الأمثلة الكثيرة، حتى إنك لتخال أن الأمثلة طوفان يصعب صده أو النجاة منه، بل تخرج الأمثلة في كثير من الأحوال عن التصنيف، لأنه يكون في الجملة الواحدة عجمة في غير ما جهة من المتن أو التصريف أو التركيب أو الأسلوب أو المعنى. والذي بلَّغه ذلك وأعانه عليه أشياء، هي أنه مترجم بين الإنكليزية والعربية، وقد أتقن الإنكليزية وأراد أن يستعملها كما يفعل أهلها، وأقبل على العربية الأولى فأحبها واغترف منها ما شاء الله له، ثم وقفه الله على كنز لا مثيل له، وهو أنه عمد إلى كتب التراث التي تُرجمت إلى الإنكليزية، فوقع على المقابلات الصحيحة الفصيحة لما يستعمله الناس اتباعًا للترجمات السقيمة من الإنكليزية إلى العربية، وصنع مع زملاء له فيما أظن موقعًا على الشبكة سموه الرصائف، وجعلوا فيه النصين العربي القديم والترجمة الإنكليزية، فتجد فيه بالبحث عن اللفظ الإنكليزي قدرًا من نظائره العربية في القرآن والحديث وكتب التاريخ والأدب وغيرها، وقد أشرت عليهم في رسالة أن يضموا إلى ذلك كما يفعل المؤلف في الكتاب ترجمة الترجمة، وهو استعمال العصريين منا، لأنه على هذه الحال ينتفع به المترجم بالبحث عن النظير العربي للفظ الإنكليزي، ولا ينتفع به من يبحث عن النظير العربي للاستعمال العصري الممسوخ.
وقد نبه في أثناء الكتاب على مسائل مهمة، منها أن الاستعمال العامي -ولا سيما في جزيرة العرب- ما زال على كثير من الأوضاع العربية الصحيحة، فإذا أراد أحد من العامة أن يتفاصح ذهب إلى العربية العصرية فعادت الصحة سقمًا، والفصاحة عيًّا، وهذا من عجيب الأحوال في انقلاب الأمور، كأن يقولوا في اللهجة: ثوب صوف، وخاتم ذهب، وذلك فصيح، فإذا أرادوا التفاصح قالوا متبعين أسلوب الترجمة: ثوب صوفي، وخاتم ذهبي، وكأن يقولوا في اللهجة: اصبر واصدق، فإذا تفاصحوا قالوا: كن صادقًا وكن صابرًا، وهم لا يريدون بالجملة الآخرة معنى إلا اتباع ما يشيع في العرنجية، والأسلوبان صحيحان، ولكن العربية العصرية تغلِّب أسلوبًا على أسلوب اتباعًا لما تسلط عليها من سطوة الفرنجية، وهو ما سماه المؤلف الفاضل: التغليب والاستحياء والإماتة. ومنها أن هذه المدخلات إلى اللغة من أساليب العجمة تميت نظائرها من الأساليب العربية، فليس فيها زيادة ولا ثروة كما قد يُزعم.
ومنها أن الذوق يحدث بالعادة والإيلاف، فكل ما أنكره الناس قديمًا قبلوه بعد أن تعوده، وكل ما ينكرونه اليوم يتعودونه فيألفونه، فقد أنكر بعضهم قديمًا: طلب يدها، ثم صار مألوفًا، واليوم تنكر أن تقول: عندي شيء كثير على صحني، في معنى عندي شواغل كثيرة، ولو راجت لقُبلت، ومثل ذلك الصعوبة والسهولة إنما ترجعان إلى العادة.
ومنها أن كل شيء مما ينكر من الأساليب يجد له من شاء تأويلًا وتخريجًا يسوغه به، فهو ما ساغ في أصل لغته إلا على وجه مقبول في العقل، وهذا ما جرى عليه كل من حاول ما يسمَّى التيسير ومسايرة الشائع وإثراء العربية بالأساليب الحديثة. ومن التخاريج الواهية مما شرحه الباحث فأحسن ومر ذكره هنا تلمُّس شاهد قديم لأسلوب يُعلم يقينًا أنه من أثر الترجمة لقلة وروده في كلام القدماء، ولشيوعه في اللغة الغالبة. ومنها أن اللغة العربية من الدين، وهذا حق، ولكن هذا لا ينفي أن كثيرًا من العرب من غير المسلمين حريصون عليها من جهة الهوية القومية، وكثير من غير المسلمين أحرص عليها وأفصح بها من بعض المسلمين، فاجتمع للعربية من دواعي الحرص والعناية الداعية الـمِلِّية، والداعية الـجِبِلِّية.
ومما نبه عليه فأحسن أن حافظًا في قصيدته التائية المشهورة عند قوله:
أيهجرني قومي عفا الله عنهم * إلى لغة لم تتصل برواة
سرت لوثة الإفرنج فيهم كما سرى * لعاب الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة * مشكَّلة الأوان مختلفات
إنما يعني بهذه الرقاع ما نعنيه بهجنة اللغة بأساليب الفرنجة، واستدل بما ذكره في مقدمة ترجمة حافظ لرواية البؤساء.
(8)
ولا بد من أمثلة وشيء من المناقشة لبعض ما أورده في الأبواب المذكورة، ففي النحو ذكر أن الإنكليزية تسرف في النعت وتستعمله في التفضيل، فيقولون: الصديق الأفضل، والكتاب الأحسن، ويرى المؤلف أن الأكثر في العربية أن يعبر عن هذا بالإضافة، فيقال: أفضل صديق، وأحسن كتاب، وأن أسلوب الصفة والموصوف في التفضيل إنما يكون عند إرادة بلوغ الغاية في الصفة، نحو: الأسماء الحسنى، والعروة الوثقى، وأقول: ليس الأمر كما ظن، بل الأسلوبان كثيران في الاستعمال، واستعمال أحدهما ليس على معنى بلوغ الغاية في الصفة، لأنه متحقق في الحالين، ولكنه يكون القصد إلى الموصوف في حين فيقدم، ويكون القصد إلى الصفة فتقدم، فالأول نحو: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)، فقدم الوصف، ومثله: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، ولو أريد الاعتناء بالموصوف لقُدم، كما في (العروة الوثقى) و(الأسماء الحسنى)، ومثله: (الفزع الأكبر) و(الدرك الأسفل) و(المثل الأعلى)، و(العُدوة القصوى) و(الآية الكبرى)، وقال ابن مسعود في البخاري: "لَنزلت سورة النساء القُصرى بعد الطولى"، وقال عبد قيس بن خفاف:
وإذا تشاجر في فؤادك مرة * أمران فاعمد للأعف الأجمل
ويخطئون في ترك المطابقة في اسم التفضيل المحلَّى باللام، فيقولون: الصفة الأحسن، مكان الحسنى، والرجال الأكبر، مكان الأكابر، وقد جوزه بعض المحدثين بل المجمع المصري على المنهاج المذكور في تسويغ الشائعات، فقبلوا: الرجال الأكبر، والدولتان الأعظم.
ومنع المؤلف في باب الحروف من النحو قولهم: لن نترك طفلا أو شيخًا، وظن أن العربي أن يقال: ولا شيخًا، وكلاهما جائز، ولكل منهما معنى، وقال سيبويه (بولاق 1/490): "وإذا أرادوا أنك لست واحدًا منهما قالوا: لست عمرًا ولا بشرًا، أو قالوا: أو بشرًا، كما قال الله عز وجل: (ولا تطع منهما آثمًا أو كفورًا)"، وانظر المسألة في كتاب العاجز: الوقف الصرفي 281-294.
وأحسن في تنبيهه في باب الحروف على أن العرب تقول: مرض حتى إنه مُغْمًى عليه، وفي لغة الترجمة: مرض إلى درجة أنه مغمى عليه، وفي العربية: أحبه على بعده، وفي العرنجية: أحبه بالرغم من بعده، وفي العربية: أحضرِ الكتاب إذا جئت، ويمسخ فيقال: أحضر الكتاب في حال أنك جئت، وفي العربية: ارحم أطفالك، وفي الأخرى: كن رحيمًا تجاه أطفالك، وفي العربية: أفاده بمقالته، وقاله في كلمته، وفي الترجمة: أفاده عبر مقالته، وقاله من خلال كلمته.
ومن محاسنه التنبيه على إماتة بعض الأساليب العربية الموجزة الأصيلة، كإماتة النعت السببي، كأن تقول: كثيرة محاسنُه، ولا يعرفون إلا: محاسنه كثيرة، وإماتة التنكير، كأن تقول: رأيت رجلًا، وشربت ماءً، وقضيت وقتًا، وهم يقولون: رأيت أحد الرجال، وشربت بعض الماء، وقضيت بعض الوقت، وكإماتة الدلالة على الزمن بالمشتقات والأفعال، كأن تقول: أزورك، أو أنا زائرك، أو لأزورنك، ولا يعرفون إلا سأزورك، وكإماتة الاستثناء، كـأن تقول: حضروا إلا زيدًا، وهم يقولون: حضروا باستثناء زيد، وكإماتة الحصر، كأن تقول: إنما الناجح المجتهد، وهم يقولون: الناجح المجتهد فقط.
وفي باب الصرف ذكر كثرة العدول عن الفعل إلى جملةٍ من كان أو إحدى أخواتها، فبدل: قسا قلبه، يقال: أصبح قلبه قاسيًا، وبدل: لن تسافر حتى تكبر، يقال: لن تكون قادرًا على السفر حتى تصبح كبيرًا. والعدول عن التعدية بالهمزة أو التضعيف إلى التعبير بالفعل، فمكان قولك: أضحكه وأبكاه، يكون قولهم: جعله يضحك وجعله يبكي، وهجران صيغ المشاركة، فالعرب تقول: تضارب الرجال، والعصريون يقولون: ضرب بعضهم البعض، وهجران صيغ المبالغة، فيترجم حلَّاف بالذي يحلف كثيرًا أو باستمرار، وإماتة التصغير، نحو هجران بويب إلى باب صغير، ولقيمة إلى لقمة صغيرة، مع أنه ما زال العامية.
وأما متن اللغة فطوفان من الألفاظ الغازية أجْلَت مفردات أصيلة أو حمَّلتها من المعاني ما شاء لها استبداد الغزاة، فالسلب والإيجاب صار معناهما الضر والنفع أو الحُسن والسوء أو المحبوب والمكروه، ويجمعونهما على إيجابيات وسلبيات، والجنس صار معناه ما نعرف، وله عندهم اسم آخر، هو العلاقة الحميمية! ويقولون: فلان استثنائي، ويقولون: لم يذكر المراجع مع بعض الاستثناءات القليلة، ويدَعون أن يقولوا: إلا قليلا، ويقولون: غطَّى الأخبار، والكتاب يغطي كل المسائل، والعالَم العربي والعالَم الإسلامي، وهو يبارك هذه الأمر، والمؤسسة تتبنى المشروع، ونحن على أرضية مشتركة، وأضاف قائلًا.
وفي الكتاب فصول طويلة من المقابلة بين الترجمة والأصل، وفي الحواشي أيضًا عند أكثر المسائل، ومن الشرح لفقر منقولة عن أدباء وكتاب، وبيان استئسارها لأساليب الإنكليزية.
وختم الكتاب ببيان السبيل إلى إصلاح العربية لدى المترجم والكاتب وكل من يعنيه ذلك، ومرجع الأمر إلى الطريق الذي تُتعلم به اللغات، وهو كثرة السماع والقراءة للكلام العربي الأصيل، مع الحرص والغيرة والمحبة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولكن من يتولون الولايات في التعليم والإعلام مسئولون، وفي أيديهم الإصلاح والإفساد، والمترجمون والكُتَّاب والمتحدثون مشاركون في هذه الحالة من التردي اللغوي، واللغويون والمجمعيون كثير منهم يسوغون وهم لا يتبصرون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الجمعة 21/1/2022

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  5094