الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

في الغلوّ العروبي وضدّه

علي يونس

مقالة

تاريخ النشر: 2021/03/03
اقرأ للكاتب
هل كتب على الأفكار أن تكون متطرفة على طول الخط!
لماذا يتحول الانتصار للتنوع الثقافي، ونقد القومية العروبية المقصية لهذا التنوع، إلى إقصاء للانتماء العربي نفسه، وسخرية من الثقافة العربية، ومن الإثنية العربية، سخرية -للغرابة- يقوم بها المنتمون لهذه العربية أنفسهم كعربون انتماء وولاء مقدم على مذبح "الحداثة" المزعومة، ولحضرة شركاء الوطن لعلهم يجودون بالرضا عنهم، في مشهد مازوخي شديد البؤس.
ومن المذهل كيف تتحول الأكاديميا العروبية التي قررت مسبقا أن كل شيء جميل وعبقري ومهم من حولنا هو عربي، ثم تتكلف الاستدلال على هذا الافتراض المسبق= إلى أكاديميا انتي-عروبية تقرر مسبقا أن كل ما هو جميل ومهم من حولنا لا بد أن يكون غير عربي، ثم تتكلف الاستدلال على هذا الافتراض المسبق.
من العجيب كيف يتحول نقد الدوغما إلى دوغما، ونقد العنصرية إلى عنصرية، ونقد الإقصاء إلى إقصاء.
من العجيب كيف أن الإنسان وهو في قمة إعلانه سخطه على الأفكار العاطفية اللاعقلانية= يسبح في نفس اللحظة في بحر عميق من العاطفة واللاعقلانية.
يحدث هذا فيما يتبادل نوعان من المتطرفين وهما عنصريا كاذبا واحدا، المتطرف الأول هم بعض أهل دول الخليج الذين يسحبون الانتماء للعربية عن كل من عداهم، والمتطرف الثاني هم بعض أهلنا هنا الذين يوافقون على ذلك.وعلى قدر ما يبدو أن هذين المتطرفين متناقضان، إلا أنهما يعبران عن شيء واحد، بالغ القبح والأهم بالغ الخطأ.
لم يبق لنا من حاضنة للهوية العربية نتحلق حولها مطمئنين إلا الشام العزيز، الذي لا يخجل إسلاميوه وعلمانيوه، شيبه وشبابه، أكاديميوه وفنانوه، أن يضيفوا "العربي" إلى أفرادهم وإنجازاتهم، دون أن تداهمهم عقدة نقص أو حماقة صبيانية.
لا توجد في الشام "صوابية سياسية" تمارس عنصرية مضادة على الانتماء الطبيعي الشعبي للعربية، وترجع كل تراث شعبي وعادات اجتماعية في البلاد إلى كل شيء آخر ما عدا هذه الثقافة العربية.
في الشام ينصهر الأرمني ذو المائة سنة في هذه الثقافة العربية معتزا بها، وفي غير الشام يثور ذو الألف سنة -الذي لا يعرف له سوى العربية نسبا- على عربيته لأقل سبب وبدون سبب وبسبب معكوس.
الشام -إن سألتَ- ليسوا نقاوة عربية تسلسلت أنسابهم خالصة من مضر وربيعة وقحطان- الشام أكراد وشركس وأرناؤوط وترك وأرمن وسريان وجاليات أوروبية، وعرب، من ملح البلد، من قادتها التاريخيين، وفنانيها المخضرمين، يقرؤون مقامات الحريري، ويغنون يا ليل يا عين، ويدرسون تاريخ الأمويين على أنه تاريخهم، وينشدون مع المتنبي، ويغنون مع زرياب، ويجدون في رسالة الغفران وألف ليلة وليلة وسيرة الظاهر بيبرس عالمهم السحري القديم.
ويفخرون مع هذا بتواريخهم وثقافاتهم ويباهون بها، ولا يجدون في ذلك غضاضة، ولا تناقضا يلغي أحده الآخر.
هل هذا صعب جدا حتى نفشل فيه جميعا!

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  2396