الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

رثاء محمد الفاضل بن عاشور

عزيز أباظة

شعر

تاريخ النشر: 2021/01/27
اقرأ للكاتب
رَدَعَ الرَّدى وهْو القويُّ الرادعُ
لِلراحلينَ مآثرٌ وصنائعُ

حَتْمٌ على ثَبَجِ الحياةِ يُزيلُها
وتُزيلُها هيَ، وهْيَ ذِكْرٌ ذائعُ

ما ماتَ مَنْ خلفاؤُهُ حسناتُهُ
تزكو عَوارفُها، وفَضْلٌ شائعُ

لَهْفى على الإنسانِ، عُمْرٌ ضيِّقٌ
ومَدارُ طاقتِهِ الجليلُ الواسعُ

مستخلَفٌ هو في الزمانِ لِربِّهِ
وبقاؤُه فيهِ السرابُ الخادعُ

تُرجَى بدائه عَقْله فإذا ذكا
إشراقُها، دهَمَ الحِمامُ الفاجعُ

سَبعونَهُ إنْ عاشها وهْيَ المَدى
تَمضي كما ينجابُ برقٌ لامعُ

لو أُنصِفَ الإنسانُ أُرْجِئَ يومُهُ
فتَرِفُّ عنهُ روائعٌ وبدائعُ

لكنها سُنَنُ الوجودِ جمادُهُ
باقٍ، وللحيِّ الحِمامُ مُسارعُ

المَجْمَعِيُّ الثَّبْتُ أَدركَهُ الرَّدَى
في حينِ يُرْجَى منهُ نفْعٌ جامعُ

حامَى عنِ الفصحى، وذادَ بمنطقٍ
كالصبحِ لا يَقْوى عليهِ مُقارِعُ

وإذا احتبَى ذو الرأيِ بالإيمانِ لَمْ
يُرْهِبهُ مخشيُّ البوادرِ دارِعُ

يا فاضلَ الفضلاءِ يا ابنَ عشيرةٍ
زانَ الحِجَى فيها القنوتُ الخاشعُ

آباؤُكَ المرضيُّ عَنْ آلائِهمْ
للسالكينَ وسائلٌ وذرائعُ

لِلعلمِ بَيْنَ صدورِهمْ حَرَمٌ وفي
أفنائِهمْ لِلصالحاتِ مطالعُ

خَلَّفْتَ مَجْمعَكَ الحزينَ وأنتَ في
أعلامِهِ العلَمُ الأشَمُّ الفارعُ

في كُلِّ معضِلةٍ تَهيجُ بهِ
ومُبْهَمَةٍ تُناشِبُهُ فقولكَ قاطعُ

تُدلي بهِ مستوثِقًا متواضِعًا
للهِ ذاكَ العالِمُ المتواضِعُ

وإذا خَطَبْتَ فمِصْقَعٌ مترسِّلٌ
لَهَجَتْ بهِ في المِدْرَهِينَ مَصاقِعُ

وإذا احتَشَدتَ مُحاضِرًا أو شارحًا
انهلَّ عنكَ العارضُ المتدافِعُ

وإذا سَكتَّ فرُبَّ صمْتٍ فاصلٍ
فيهِ الخطابُ، ولِلسكوتِ مواضعُ

وجَمَعْتَ بينَ العلمِ والآدابِ في
نَسَقٍ، وجَمْعُهما العسيرُ الشاسعُ

عِلْمٌ، وما العلماءُ إلَّا مِشْعَلٌ
لِلخيرِ هادٍ، لِلضَّلالةِ قاشِعُ

أَدَبٌ، ومَا الأدباءُ إلَّا عَيْلَمٌ
فيهِ لِألوانِ الجمالِ مَشارِعُ

لَهْفَى على "الزيتونةِ العُظمى" التي
ثَكِلَتْكَ حينَ مكانُها بكَ تالِعُ

كالرَّوضِ جانَبَهُ الولِيُّ الهامِعُ
والأمُّ فارقَها الحَفِيُّ النافعُ

إن زُلْتَ عنها فالأُلى زامَلْتَ مِنْ
أقطابِها عُمُدٌ لها ومَراجِعُ

الأزهرُ المعمورُ توأَمُها، وعَنْ
صِحنيْهِما انفجرَ الضياءُ الساطعُ

حِصْنانِ لِلإسلامِ، ذاكَ بنُورِهِ
غازٍ وهذا مانِعٌ ومُدافِعُ

بَكَيَاكَ بالدمعِ الغزيرِ ورُبَّمَا
سالتْ بحَبَّاتِ القلوبِ مَدامِعُ

يا فاضِلَ الفضلاءِ قَدْ بارحْتَنا
وبِقلبِكَ الريَّانُ هَمٌّ قابِعُ

مِمَّا أصابَ العُرْبَ في أقدارِهمْ
هامٌ "مُنَكَّسَةٌ" وخَدٌّ ضارِعُ

ليستْ مَصارِعُنا نَكالَ عَدُوِّنا
سَقَطاتُنا حُفَرٌ لنا ومَصارِعُ

قُلْ لِلعروبةِ مَغْرِبًا ومَشارقًا
ما ناهِضٌ يَقِظٌ كمَنْ هو هاجِعُ

نَهْجُ التَّغلُّبِ ليسَ رَهْوًا إنهُ
لِلسالكيهِ زلازلٌ وزعازِعُ

ما بالوعيدِ ولا النشيدِ ولا
الشعاراتِ الزوائفِ يُسترَدُّ الضائعُ

كَلَّا ولا يُجْدي ابتهالٌ ظاهرٌ
يُزْجِيهِ دمعًا ساجدٌ أو راكعُ

ندعو لِأدنى الحقِّ يأسو جُرحُنا
دولًا، وفينا الحقُّ أَعْسَرُ ظالِعُ

ونُهيبُ بالدنيا لِتدعمَ حقَّنا
وحقوقُ أكثرِنا الغداةَ ضوائِعُ

والحقُّ وهْوَ الحَقُّ ليسَ بقائمٍ
ما لَمْ يُسانِدْهُ الجهادُ القامعُ

ما وَحْدَةٌ بينَ الصفوفِ مُفيدةٌ
حِينَ الدخائل لِلخلافِ نوازعُ

والكُرهُ إنْ نَدْخَلْهُ في عَددٍ وفي
عُدَدٍ ولَمْ نُخْلصْ فجُهدٌ خانِعُ

أَقْسَمتُ إنْ صَفَتِ النفوسُ وسالمتْ
ذَلَّ المُواثِبُ واستكانَ الطامعُ

قَدْ آن أنْ نَئِدَ "الأنا" فإذا امَّحتْ
كَشَفَ الظَّلامَ لنا النهارُ الماتعُ

يا فاضلَ الفضلاءِ إنَّ كرائمَ السقم
استَبَدَّ بها العِداءُ الجائعُ

فَسَدَتْ موازينُ الشبابِ فلَمْ نَعُدْ
ندري أيافعةٌ مشَتْ أمْ يافعُ

وانتابتِ الأدبَ المقدَّسَ مِحنةٌ
فإذا خمائلُهُ الوِسامُ دوامعُ

ومسمَّمينَ بكُلِّ ضِغنٍ واغِرٍ
طُوِيَتْ عليهِ سَرائرٌ وأَضالعُ

ومَذاهِبٌ، رِجْسُ الوجود وشَرُّهُ
متراكِبٌ في رُوحِها متدافِعُ

ثاروا على المأثورِ مِمَّا أَبدعتْ
حِقبٌ لعُلْوِيِّ البيانِ جوامعُ

قالوا: نُجدِّدُ؛ قلتُ: في عبثٍ وما
العبثُ المهوَّسُ نافعٌ أو شافعُ

فالقِصةُ انتُزعتْ بَدَائهُ عقلها
منها، فسِيقتْ وهْيَ هَذْرٌ خالِعُ

والشِّعْرُ رُوِّعَ أَيْكُهُ وكأنَّما
زَحَمَتْ بلابلَهُ عليهِ ضفادعُ

والرَّسْمُ أَرْعَنُ، كُلُّ خَطْرَةِ ريشةٍ
هاذٍ يُمَجْمِجُ وهْمَهُ ويُتابِعُ

وهوَى بموسيقى الجمالِ وسحرِها
صَخَبٌ إذا يَنْقَضُّ قلتُ: قعاقِعُ

الخَطْبُ فيكَ تموجُ في أسدافِهِ
لُغَةٌ ألَحَّ خصومُها وتشايَعُوا

زَحَفوا على أقداسِها وتراثِها
ولهمْ مِنَ الإِحَنِ العِماقِ دوافعُ

قالوا: لقدْ عَجَزَ الفصيحُ فباتَ لا
يَقْوَى على استيعابِ ما هوَ واقِعُ

كذَبوا على عِلْمٍ بأنْ كذَبوا فما
أُمُّ اللُّغَى إلَّا الخِضَمُّ الواسعُ

وَسِعَتْ حضارةَ كلِّ عَصْرٍ فاحتوى
آفاقَ فكرتِهِ الفصيحُ الناصعُ

ولقدْ نظرتَ إلى جديدهمُ الذي
صُكَّتْ به في المَشرقَيْنِ مَسامعُ

فإذا بأكثرِهِ المهيضِ جناحهُ
إمَّا المُسِفُّ أو الهُذاءُ الصادعُ

ولعلَّ سائغهُ هو المنشقُّ في
قَصْدٍ، ومِنْ بعضِ الأصالةِ نابعُ

لن تُرْزَأَ الفصحى، فحافظُها على
شَفَةِ الدُّنا الذِّكْرُ الحكيمُ الجامعُ

يا تونسَ الخضراءَ عشتِ مُنيفةً
لِلسؤدُدِ المكسوبِ فيكِ مراتعُ

ولِكلِّ باذخِ عِزّةٍ موسومةٍ
بالعِتقِ فيكِ مَشارفٌ ومَطَالعُ

وعلى ثَراكِ الطُّهْرُ كمْ خلَبَ الرُّبى
شادٍ، وكمْ هَزَّ الخمائلَ ساجعُ

يا تونسَ الخضراءَ أَمْسُكِ إنْ يَذُقْ
عَنَتًا، فحاضرُكِ الكريمُ الرائعُ

يا فاضلَ الفُضَلَا إلى أنْ نلتقي
يهفو إليكَ وفاؤُنا ويُطالِعُ

هذا مُصابكَ إنْ أَلَمَّ بتونسٍ
فأَمَضَّ، فهْوَ على العروبةِ واقعُ

ليسَ المُعزَّى والدٌ لكَ كابرٌ
إنَّ المُعزَّى فيكِ عَصْرٌ جازِعُ

فاذهبْ فإنَّ العِلمَ والأدبَ الذي
أَصَّلْتَ؛ يُتْمُهُما بفقدكَ لاذعُ

واذهبْ كما مالَ الهداةُ فإنْ هُمُ
ذهبوا، فنورهمُ المقيمُ الساطعُ

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  1950