الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

في لغة المسلسلات التاريخية

أكرم علي حمدان

مقالة

تاريخ النشر: 2021/01/24
اقرأ للكاتب
لن أتكلم هنا في النقد الفني للمسلسلات التاريخية، وإن كنت أرضى عن كثير منها، ولا سيما ثلاثية الأندلس لوليد سيف وحاتم علي، رحمه الله، وقد فرط ثنائي على هذه المسلسلات في مقالتي عن ثقافة التلفاز، بما تقدمه للمشاهد من حقائق تاريخية تدعوه للمزيد من البحث والقراءة، وتقربه من مأنوس اللغة الفصيحة، وتبعث في نفسه فخرًا بماضيه المجيد، واعتزازًا بتراثه العتيد، ولا سيما إذا علت لغتها، وحسُن إخراجها، وصحت وقائعها من جهة التاريخ.
ولن أتناول ما أثاره بعض هذه المسلسلات من خلاف، كمسلسل عمر بن الخطاب الذي أثار من الضجة أول عرضه عام 2012 ما لم يثره مسلسل تاريخي غيره، بما اجترأ عليه من إظهار الصحابة رضي الله عنهم في الأعمال الدرامية، ولا أصرح برأي في الجانب الفقهي من المسألة، فقد أوسعت بحثا وكتابة، وخاض فيها الخائضون بما يجعل الزيادة فيه من فضول القول ومرذول الكلام.
ولكني أكسر هذه المقالة على ما يقع في مثل هذه المسلسلات من الأخطاء اللغوية التي لا ينساغ قبولها، وأمثل من ذلك بما يفي بالغرض ويبين المقصود من غير تتبع ولا استقصاء. ولست أقصد باللغة هنا النص المكتوب، فأنظر فيه من حيث القوة والضعف، والجزالة والركاكة، ولا من حيث انسجام لغة النص من حيث الأسلوب، وخلوه من دواعي قلق الألفاظ ونفورها عن مواضعها، ولا ما يستحسن من ذلك ولا ما يستقبح، فذلك راجع لكاتب النص، مبين عن مبلغ علمه بالعربية، ورتبته في سلامة الذوق وجودة القريحة وميز الكلام، ولعلنا نفرده بمقالة نكسرها عليه.
وأول ما نبتدئ به هو تقرير ما أصاب العرب جملة من ضعف في لغتهم، ونفور من تعلمها، ولا سيما من لم يكن له حظ من معرفة كتاب الله تعالى، وتعلم أحكام تلاوته، فهي خير ما يقوِّم لغة المرء ويضبطها، من حيث مخارج الحروف وصفاتها، فلا غرو أن كانت عربية من يتعاطون فن التمثيل ضعيفة في الجملة، فإن أجاءتهم الحاجة إلى التحدث بها في مسلسل تاريخي جاء كلامهم متكلفًا ممجوجا، إلا من ندر منهم، ولو كان لي من الأمر شيء لفرضت على طلبة أقسام التمثيل في المعاهد والكليات الفنية أن يتعلموا أحكام التلاوة، وأن يعانوا البيان العالي ويحفظوا قطعًا من النثر العربي المشرق، وإلا فإنك تراهم يفخمون المرقق ويرققون المفخم، يقولون "أمر" بتفخيم الهمزة، ويغلظون لام لفظ الجلالة حيث يجب ترقيقها إذ يسبقها مكسور، كقول أم قُرّة: فلا ردني الله للحياة، بتغليظ لام اللفظ، وتراهم يقطعون الهمزة حيث يجب الوصل، ويجمعون بين الساكنين في غير حده، نحو قول نجاح سفكوني، على طول خبرته، قبحكما الله، بإثبات ألف قبحكما، وهو من القبح بحيث ترى، ومثله قول عمر: وعليكما السلام بإثبات ألف الاثنين، ويحركون أواخر الكلم عند الوقف، وغير ذلك مما يُنكره من لم يذق طعم الفصاحة ولا عرف شيئا من أسرار العربية.
وإنك لواجد هذا الضعف في أجلى صوره إذا عرضت لأحدهم آية من الذِّكر الحكيم، أو قطعة من حديث شريف، أو شذرة من أثر قديم، حيث ترى الأغلاط فاغرة فاها، من نحو قول أحدهم في الحلقة الأولى من مسلسل الحسن والحسين: والله إن وصلنا إلى المدينة ليَخْرُجَنَّ منها الأعزُّ الأذلّ، وقول أخرى في مسلسل صقر قريش: حتى يلج الجملُ في سَمِّ الخَيّاط، بدل الخِياط، وهو الإبرة، كأنها لم تمر يومًا بكتاب الله تعالى فتقرأ فيه الآية وتتعلم نطقها الصحيح. وقد جعلت الممثلة نفسها تُجْمِعوا أمركم تَجْمَعوا أمركم بفتح التاء، وتذهب نفسُك عليهم حسرات، تُذهِب نفسَك، ومنه ما جاء على لسان أمية بن خلف في مسلسل عمر: آمنتَ لمحمد ولم ترقَب أمري، بفتح القاف، وعلى لسان سجاح من قولها: اِجمَعوا رأيكم بدل أَجمِعوا رأيكم، من قوله تعالى: فأجمعوا رأيكم وشركاءكم، ونحو ذلك، وهو كثير الوقوع في كلامهم، وأسوأ منه قراءة الآيات على غير وجهها، من نحو قول باديس لأبي الفتوح: ...ولكن أغلب الظن أنك ممن قال الله فيهم: خسر الدنيا وخسر الآخرة، بزيادة خسر الثانية.
أما أخطاؤهم الإعرابية فحدث ولا حرج، إذ ينصبون ما حقه الرفع ويرفعون ما حقه النصب، بله ما يأتونه من الأخطاء في تصريف الأسماء والأفعال وضبطها، من ذلك في مطلع مسلسل عمر: "يَقصهم" ففتح الياء وحقها الضم، من أقصَّه، أي جعل له حق القصاص، ومعرفتها من مبادئ العربية التي تُعلم لطلبة الصف الرابع الابتدائي، لكن أنى لنا أن نؤاخذ ممثلا بهذا الخطأ الذي يقع في مثله أستاذ للنقد الأدبي فيجعل الفعل يُقوي، من الإقواء، يَقوي، يصحح بذلك الخطأ طالبة أخطأت في لفظ الفعل! ومثله قول من قال: لا "أُغبطك" فضم الهمزة، وحقها الفتح، من غَبَطت الرجل أَغبِطُه غبطًا. ومنه قول قائلهم لعمرَ: فأرفِق بنفسك، مكان فارفُق، وقول أحدهم في مسلسل الحسن والحسين: ويُلبس الحق بالباطل، وقول آخر: أُنشد الله، بضم الهمزة، وقوله تُذهب بعقلك، بضم التاء، ومنه ضم المعتضد عين تنعَم، في "ملوك الطوائف"، في قوله لشبيه الخليفة هشام: وهل كنت ترجو أن تنعُم في حياتك بيوم واحد من أيامكَ هنا؟ ومثله قول أحدهم: فبها ونَعِمَت، ومنه في "ملوك الطوائف" أيضًا قول أبي الفتوح لباديس: فاغفر زلتي وأَقِلَّني من عَثَرتي، يريد أَقِلني عثرتي، من أقال يقيل، ومنه الحديث: ...أقاله الله عثرته، وفيه أيضًا: وما يَدريك بفتح الياء بدل ضمها، ولا يُلزمكم بضم الياء بدل فتحها. ويلحق بهذا ما يقع في ضبط الاسم من خلط، من نحو قول أحدهم في "صقر قريش": سبق السيف العذْل، بتسكين الذال، وقول آخر: على رَسلك، بفتح الراء، وأسمع قعقعة ولا أرى طَحنا، بفتح الطاء، ووقوعه أكثر من أن يحصى.
ثم إنك تراهم يصرفون ما حقه المنع من الصرف، ويمنعون من الصرف ما حقه أن يُصرف، كصرف "أشياء" في مسلسل "عمر"، والعجيب أنها تجري على لسان ممثل كبير في السن قضى من عمره سنين عددا في التمثيل، لم يجد من يصحح له هذا الخطأ الثقيل. ومن ذلك صرف "أحمق" في كلام لوحشي، ومنع "بكر" من الصرف في مسلسل الحسن والحسين.
أما ما يقع منهم من الأخطاء التي تنقل المعنى وتذهب برونق الكلام فكثير، كالذي جاء في "صقر قريش" على لسان زوج يوسف الفهري: "لا يَفْقِدُ المرءُ ما لم يُجرَّب" بفتح الراء المشددة من يجرِّب، وحقها الكسر، ومعناه أبين من أن يبيّن، لكن الممثلة لم تدرك المعنى، وفي مسلسل عمر في حديثه عن الأصنام، يقول الممثل: ألستم تذهبون إليها كلما حزَّ بكم أمر؟" فجعل الفعل حزَب حزَّ! أما أخت عمر فتشدد أنْ في شهادتها، تقول: أشهدُ أنَّ لا إله إلا الله! تجمع بين النفي والتأكيد، وهو من قبيح الأخطاء كما ترى. ومن ذلك قول حمزة عندما قَدِم عمر بن الخطاب يوم إسلامه: "فإن يُرد به الله خيرًا يَسلَم"، يُريد يُسلِم، ومنه ما جاء على لسان عمر وقد أعان امرأة على صنع طعام لأولادها: إذا كان من الغد فاقصدي إلى أمير المؤمنين وستجدينني هناك، فيُقسم لك إن شاء الله! ولا ندري علام سيُقسم لها ولا بمَ، ولكن الذي ندريه أنه أخطأ فجعل يَقسم، بفتح الياء، يُقسم بضمها، نقلها من القسْم إلى القسَم. وعلى لسان عمر أيضًا جاء "غِرَّة بالإثم" مكان "عِزَّة بالإثم"، وهو من قبيح التصحيف لشدة وضوحه، وأسوأ منه جعل دِرَّة عمرَ دُرة، بضم الراء، لشهرة الكلمة.
وكثيرًا ما يجعلون الفعل المبني للمعلوم مبنيا للمجهول، يقول قائلهم في مسلسل عمر: "لقد والله عُز محمد وأصحابه" مكان عَز بفتح العين، وهو من كثرة المجيء في كلامهم بحيث يصعب استقصاؤه، كأنهم لا يعرفون الفعل عز وذل إلا مبنيا للمجهول، ومنه ما وقع في قصيدة ابن زيدون الشهيرة:
وكذا الدهر إذا ما * عَزَّ ناسٌ، ذَلَّ ناسُ
قرأها جمال سليمان بضم العين من الفعلين، وقال ابن المعتمد بن عباد: ارحموا عزيز قومٍ ذُلّ، يريد ذَلّ. ومن الباب قول محمد مفتاح على لسان بدر في صقر قريش: "وأظن أعداءنا بني العباس لو حُصِّلت بأيديهم..." يريد حَصَلْتُ، وفي "صقر قريش" أيضًا: ما لكم كيف تُحكَمون، يريد تَحكُمون، ومثله قول باديس في ملوك الطوائف: ...وقد أمروا أن يتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظُلموا منهم خاصة، بضم ظاء ظلموا، ومنه قول المعتضد في "المرابطون والأندلس": أريد أن أكشف ما خُفي عليّ، بل سمعت أحدهم يقول في "ملوك الطوائف": لقد مُرِدوا على النفاق!
ويثقلون المخفف ويخففون المثقل، فيجعلون عَجِلْتُ عَجَّلْت، في كلام من رسالة خالد بن الوليد لأبي بكر الصديق، وجادّة الصواب، جادَة الصواب، بتخفيف الدال، ووطّأ وَطَأ بتخفيف الطاء، في صقر قريش، وفيه أيضًا والحق أحق أن يُتبْع، ولا نحسب الكاتب إلا أراد يُتَّبع، فخفف الممثل ما وجهه التثقيل من عند نفسه. ومنه قول أبي جوشن: الأمر أمر الأمير ونحن له تُبَّع، يريد تَبَع. ويقول الفهري: ارض بما قُسِّم لك بتشديد السين، يريد بما قُسِم لك بالتخفيف. وفي مسلسل الإمام أحمد قال: لتفطِّر القلب بالتشديد، وأسوأ منه قول ابن جهور في وصف المعتضد: وابن عبّاد هذا مُسعِّر حربٍ، يريد مِسْعَرُ حرب، كما في حديث أبي بصير، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه! مِسعر حرب لو كان له أصحاب.
وفي إسناد الفعل لواو الجماعة لا يفرقون بين ذوات الألف المقصورة وذوات الياء، فيقول أبو جهل "وقد كفُونا أنفسهم" مكان كَفَونا، كما جاء على لسان عُمر "نَسَوا" بفتح السين، وحقها الضم، من نسِيَ، وخَشَوا بفتح الشين، وحقها الضم من خشِيَ، والعجيب أنه في الجملة نفسها يقول غزُونا بضم الزاي وحقها الفتح، من غزا يغزو، وجاء في قوله أيضًا: "رضَوا" مكان رضُوا. ويخلطون بين التصور والتصديق، يقول أحدهم: لا أدري أهي خير أم شر، وأحسب هذا من أخطاء الكاتب، فكثيرون يقعون فيه، وصوابه: لا أدري أخير هي أم شر، وهو مبحث دقيق من مباحث المعاني، ومنه في مسلسل الحسن والحسين، ما بال هذا الرجل، أهو مجنون؟ مكان أمجنون هو؟ ووقوعه في كلامهم كثير.
ولا يسلم من هذه الأخطاء أحد، وإن تفاوتوا في ذلك، فهذا حسن الجندي، رحمه الله، وإن كان من أفضل الممثلين نطقًا بالفصحى من حيث تمثيل المعنى، لكن كلامه مع ذلك لا يخلو من أخطاء كريهة، يقول مثلا في مسلسل "عمر": "بلَوا" فيفتح اللام التي حقها الضم، فالفعل من الثلاثي "بلِيَ"! ويشدد المخفف في مثل قوله لأبي الحكم في عمر "أكنت تسلّمه لو كان بعض ولدك"، ولو أن حديث المسلم أخو المسلم كان منه على طرف الثمام لخففها، فالمسلم لا يُسْلِم المسلم. بل يرفع في المسلسل نفسه اسم إن في قوله: "وإن في الرجل حدةٌ وسفاهة"، ويجعل "يَنْفُسُنا عليه" "يُنفِسُنا عليه"، وحفِظ حفَظَ، وأَعذَرنا أُعذِرنا، ولم نَعذِر لم نُعذَر، وحميك أو حمْوِك حَمُوِّك، ويثبت ياء فعل الأمر التي حقها الحذف في قوله فليُرينا بعض الآيات إن كان من الصادقين، وفي بدر جعل الأكْفاء أكِفّاء، قال أكِفّاء كرام، والعجيب أن قال قبلها: يا محمد، أخرج لنا أكْفاءنا من قومنا، فجاء بها على وجهها.
وأسوأ من ذلك أن تجري الأخطاء على ألسنة أبطال المسلسلات، ولا سيما إذا كانت شخصيات لها اعتبارها، كعمرَ رضي الله عنه، يقول سامر إسماعيل: "لا والله، لقد أُعذرتم إلى أبي طالب"، فيضم همزة أعذرتم، وحقها الفتح، أَعذر: استحق العذر، ومنه قد أَعذر من أَنذر، بفتح الهمزة من الفعلين، والعامة تضمها من الأولى. ولا أدري كيف يسمح المدقق اللغوي بمرور مثل هذا الخطأ الفاحش، ويقول "قَيد أنملة" بفتح القاف، فلا يفرق بين القَيد بالفتح والقِيد بالكسر، وهو نحو ما يقع في كلامهم من الخلط بين الغَيبة والغِيبة، وأقبح منه فتح نون رفع فعل الاثنين في قوله: ولا تعينانَني، وحقها الكسر، ويقول رضَوا مكان رضُوا، من رَضِيَ، تسمعها منهم كثيرا، وإن شئت ألا ينقضي عجبك فاستمع لقراءة البيتين:
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً * بفــــــــــــــخٍّ وحولي إذخرٌ وجليلُ
وهل أرِدَنْ يوما مياه مَجَنَّــــــــــــــــــــــــةٍ * وهل يبدُوَن لي شامةٌ وطفيلُ
على لسان بلال، ففضلا عن الأخطاء الفاحشة، كجعله طَفيلا طُفيلا، بضم الطاء، فإن قراءته للبيتين لا تعدو قراءة تلميذ متأخر، أو أعجمي ركيك. والتصحيف في الشعر والخطأ في ضبطه أكثر من أن يحصى، من ذلك قراءة ابن زيدون لقوله:
تَجانَبَ صَوبُ الْـمُزنِ عَن ذَلِكَ الصَّدى * وَمَــرَّ عَــلَيــهِ الغَـيـثُ وَهـوَ جَهـامُ
بفتح الميم من الْمُزن، فضلا عن أنه عكس فجعل المزن مكان الغيث والغيث مكان المزن. وأسوأ منه استبدال ابن عباد العيث بالبث في قوله:
سكِّنْ فؤادك لا تذهبْ بك الفكَرُ * ماذا يعيد عليك البَثُّ والحذرُ
وعلى لسان أبي بكر رضي الله عنه جرت أخطاء كثيرة في مسلسل "عمر"، منها تشديد ميم أما المخففة، في قوله: "أما وقد قلتها"، وتخفيف باء يصبحوكم في قوله: "وما هي حتى يُصبحوكم"، وعلى لسان علي في مسألة تقسيم أرض السواد، وكان رأيه من رأي عمر رضي الله عنه: قال تحبس الأرض ولا تقسم، حتى يعود ريعها وخراجها لعامة المسلمين، حاضرهم وغائبهم، فلا تكون دَولة بين الأغنياء منهم. فجعل عليا لا يميز بين دَولة ودُولة. والعجيب أن الخطأ نفسه أجراه على لسان عمر، على أنه هنا أسوأ، إذ جعله آية، قال: واذكروا: كي لا تكون (دَولة) بين الأغنياء منكم.
ومن المضحك أن يجعل أبو جهل نُنكحهم، أي نُزَوِّجهم، نَنْكحهم، وذلك في قوله عمن دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب: "ونكتب بذلك صحيفة نعلقها على الكعبة، ألا نجالس بني هاشم... وألا نُنكح إليهم ولا نَنكحهم..."، ومن أخطائه الإعرابية قوله قبل بدر: فلا والله لا نرجع حتى نَرِدُ بدرا، برفع الفعل المنصوب، وفي الجملة نفسها جعل الفعل نُطعِم نُطعَم.
وجاء على لسان وحشيّ أحسِده مكان أحسُده، ويلبس بكسر الباء مكان يلبس بفتحها، وفي كلمة أصحاب البيعة جعل المتكلم نسرُق مكان نسرِق، وغلّظ لام لفظ الجلالة بعد كسر، في قوله: "ولا نعصي الله في معروف"، مع أن حق الأفعال التي جاء بها جميعا النصب، ولكنه لم ينصب إلا الأول منها.
بل منهم من جعل التي مكان الذي، قال: "وإن أصل الدين التي لا تصح بغيره فروعه توحيد الله عز وجل" وقول أبي الحكم في "مسلسل عمر": "فيا لتُعس أبي الحكم" بضم التاء من تَعْس، كأنه لم يقرأ قوله تعالى فتعسا لهم. ومما يؤخذ عليهم أيضا تعدية فعلي الرغبة والبركة بالباء بدل في، يقولون راغب بكذا، وبارك الله بكم، وتعدية المباركة بالباء غالب على لغة أهل الشام، كما تسمعها من الشيخ راتب النابلسي مثلا. والخلط في حروف التعدية أكثر من أن يحصى، منه قول ابن زيدون في "ملوك الطوائف": ولم يعد لي من الدنيا ما أتشوف به.
ولا أدري لم لا تطوع ألسنة كثير من الممثلين بباب شرب من الأفعال، فيجعلونه من باب ضرب، يقولون حفَظ في حفِظ، ولَحَقَ في لحِق، وصعَد في صعِد، وظفَر في ظفِر، وطفَقَ في طفِقَ، وثكَل في ثكِل، وبرأ في بَرِئ، جاءت على لسان عمر، ولها وجه، والأشهر برئ وهي لغة عامة العرب، وخسَأ في خسِئ، جاءت على لسان عبد الرحمن الداخل، وهكذا... وحديث خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا، يعرف بضم القاف، وهو الأشهر، وكسرها، لكن الممثل لم يضبط هذا الفعل، بل جعله أقرب للمبني لما لم يسم فاعله. ويقولون ملَلت في ملِلتُ، ومن العجيب أن رجع التي هي من باب ضرب جاءت على لسان علي في مسلسل الحسن والحسين بكسر الجيم.
هذا وإني لأحسب أنه كان في وسع القائمين على هذه الأعمال تجنب كثير من هذه الأخطاء بتدريب فريق العمل ومراقبة مراحل الأداء، واستعمال مدققين جادين، فإن اللغة في مثل هذه المسلسلات لا تقل أهمية عن الإخراج والموسيقى التصويرية، ولو حصل ذلك لاكتمل بهاؤها، وزاد نفعها، ولا سيما ما خطا منها خطوات في الجانب الفني، كثلاثية الأندلس التي بلغت ما لم يبلغه سواها من الأعمال على ضعف تمويلها وقلة إمكانياتها.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  5897