الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

إقبال وعبد الجبار

نواف القديمي

قصة

تاريخ النشر: 2021/01/03
اقرأ للكاتب
إقبال وعبد الجبار، من الهند وبنغلادش، كانا دوما في الهامش الحاضر واليومي لعشرين سنة وأكثر، قَدِم إقبال "يمين الصورة" من الهند إلى الرياض شابا عام 1993 للعمل في مؤسسة المقاولات التي يملكها والدي، والذي توفي بعد هذا التاريخ بعامين، وكان في البداية مسؤولا عن خدمة الشاي والقهوة ونظافة المكتب، ثم تولى أعمالا أخرى حتى أصبح سائقاً للعائلة منذ خمسة عشر عاما.
خلال فترة عمله بنى بيتاً جميلا في قريته، ثم دفع معظم دخله لتعليم ابنه الوحيد في كلية الطب ذات التكاليف المرتفعة والتي لا يدخلها في الهند سوى الميسورين. قبل عامين، وبعد أعوام قليلة من فرحه العارم والزهو بتخرج ابنه من كلية الطب وبدء عمله طبيباً، وصله الخبر الصادم، ابنه الوحيد مصاب بالسرطان. وبدأت رحلة العلاج والعمليات وما رافقها من قلق وترقب، وقضى السنة التالية بين التفاؤل بالعلاج والخوف من عودة المرض لابنه. وبعد انتشار وباء كرونا وإغلاق المطارات، وكان وقتها في الرياض، وصله الخبر الفاجعة: توفي ابنه الشاب بعد هجمة عنيفة للمرض، وهو بعيدٌ عنه والسُبل بينهما مقطوعة. ومنذ تلك الحادثة وهو لا يرغب بالعودة إلى الهند.
عبدالجبار "يسار الصورة" قصته مختلفه. في عام 1998، وكنتُ وقتها بالجامعة، أنشأت مع أصدقائي مخيما جديدا لنا في بر منطقة العمارية شمال الرياض، وكنا فرحين بالمخيم ومرافقه وهي بدائية على كل حال وتتلاءم مع شباب محدودي الدخل. وبعد اكتمال المخيم صار يتطلب وجود حارس دائم، ذهب اثنان من الأصدقاء للتفتيش عن حارس مناسب في منطقة المخيمات الأشهر بالرياض "الثمامة"، وعثروا على عبد الجبار، وقدم معهم إلى المخيم لرؤيته والاتفاق معه، أعجبه المخيم وقبِل العمل به لكن اختلفنا على الراتب، أصر على 800 ريال وكنا لا نستطيع وقتها أن ندفع أكثر من 650 ريال في الشهر، رفض المبلغ فأعدناه إلى الثمامة، ثم عُدنا لخيمتنا في العمارية وسط برد الشتاء، ولا شاي أو قهوة أمامنا ولا حطب يشتعل ولا طعام يُعد والمخيم بحاجة لترتيب، وقتها أخذنا قرارا متهورا بالعودة في نفس الليلة لجلب عبد الجبار ليعمل بالمخيم وسندفع له ما يريد.
عبد الجبار كان قبل ذلك موجودا في الرياض لعدة أعوام وعمل في مخيمات عديدة وتعلم كثيراً من مفردات الترحيب النجدية التي ينطقها بلكنة بنغالية "اقلط، يالله حيه، تقهو... إلخ". أيضاً كان بشوش الوجه، ويجيد الطبخ. ولأننا كنا من معشر الصعاليك، كنا نأتي للمخيم أحيانا في الثانية عشرة أو الواحدة ليلا، ونجلب معنا دجاجتين مبردتين ونعطيهما له، فيجهز لنا الشاي في البداية ثم ليطبخ لنا الكبسة، وخلال ساعة تكون جاهزة. ونبقى في المخيم نحيط بالحطب المشتعل في الشتاء نشرب الشاي ونتحدث ونتسامر، أما في ليالي الصيف والربيع فكنا نجلس في دكة مرتفعة عن الأرض، تهب علينا نسمات الليل الباردة، وسط سكون الصحراء والعتمة الممتدة سوى من ومضات ضوءٍ تبدو من بعيد، ونبقى هناك حتى لحظات الصباح الأولى.
سنوات وانتهى المخيم، ووصل التخطيط العمراني للمنطقة وتفرق الصحب، فعمل عبد الجبار في مؤسسة كنت أديرها وبقي فيها طوال عقد ونصف أيضا، ورغم مضاعفة دخله مرتين ما زال يحن لأيام المخيم، ويقول: أعيدوني لمخيم حتى لو كان براتب منخفض. قبل سنتين أصيب عبد الجبار بجلطة مفاجئة فنقله إقبال إلى الطوارئ بمستشفى الحبيب، لحظتها قال الطبيب: لو تأخرتم لربما توفي ولم نستطع تداركه. بقي في المستشفى أسبوعا وخرج بصحة جيدة.
الصورة المرفقة تم التقاطها البارحة بجوار بوابة المغادرة بمطار الملك خالد بالرياض قبيل سفر عبد الجبار عائدا بشكلٍ نهائي إلى بلده، يودعه إقبال والشاب الزقرتي أحمد نواف القديمي.

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  5081