الرئيسية | المتن | كنوز التراث | مختارات | تعريف | ديوان المطالعين | إدارة الموقع  

الرسول الأعظم

محمد بهجة الأَثَريّ

شعر

تاريخ النشر: 2020/10/29
اقرأ للكاتب
خَلَتِ العُصورُ وأنتَ أنتَ الأوحدُ
ذِكْرى مُقَدَّسةٌ ومَجْدٌ سَرْمَدُ

تَتضاءلُ العُظَماءُ عندَك والسُّما
وتَحُطُّ شاهقةٌ ويَصْغُرُ سُودَدُ

كالطَّوْدِ تَضرِبُ في السماءِ شِعافُهُ
وعلى جوانبِهِ المَنازِلُ تَرْقُدُ

قُدْسُ النُّبُوَّةِ مَنْ يُطاوِلُ سَمْكَهُ
أوْ مَنْ يَرُومُ سماءَهُ أو يَصْعَدُ؟

هيَ مَظْهَرٌ للهِ جَلَّ جلالُهُ
لَمْ يُعْطَها غاوٍ ولا مُتمرِّدُ

قَدْ كنتَ صَفْوةَ خَلْقهِ فحَباكَها
شَرَفًا فأنتَ المُصطفَى المُتفرِّدُ

وَقَفَ الفلاسفةُ الكِبارُ تَخَشُّعًا
مِنْ دُونِ بابِكَ ظامئينَ لِيَجْتَدُوا

رادُوا الينابيعَ التي فَجَّرْتَها
ماءً وظِلًّا باردًا واستَوْرَدُوا

ما كُلُّ ماءٍ كالفُراتِ مَذاقُهُ
كَلَّا، ولا كُلُّ المَراعي يُحْمَدُ

كَمْ مِنْ زعامةِ سَيِّدٍ مَحَّصتُها
فأتى عليها النَّقدُ لا تَتجلَّدُ

يَبْنونَ مَجْدَهمُ على قَهْرِ الورى
والمَجْدُ يَبرَأُ منهمُ والسُّودَدُ

الفتحُ عندهمُ هَوًى وتَعَسُّفٌ
ومَمالكٌ تَهْوي وأخرى تَخْمُدُ

زَبَدٌ على موجِ العُبابِ وحَمْدُهُمْ
يومٌ، وأمَّا ذَمُّهمْ فمُؤَبَّدُ

لَمْ يَظْهَروا إلَّا لِيَخْفَوا مِثْلما
تَبْدُو فقاقيعُ السُّيولِ وتَهْمُدُ

وظَهَرتَ مِثْلَ الشَّمسِ إلَّا أنها
تَخفى ونوركَ في البريَّةِ سَرْمَدُ

وبَنَيتَ بالحقِّ المُبينِ فلا هَوًى
يَطغى عليكَ ولا مُنًى تَترصَّدُ

الفتحُ عندكَ شِرْعةٌ وعقيدةٌ
وأُخُوَّةٌ وتراحمٌ وتَوَدُّدُ

دستوركَ الفرقانُ أَمَّا وعظُهُ
فهُدًى، وأَمَّا حُكْمُهُ فمُسدَّدُ

عالٍ على الأهواءِ لا متملِّقٌ
أَحَدًا ولا مُتعسِّفٌ يَتمرَّدُ

كالسَّرْحةِ الغَيْناءِ غُصنٌ مُثْمِرٌ
وخميلَةٌ تَنْدى وظِلٌّ أَبْرَدُ

تأسُو جِراحَ الخَلْقِ بالخُلُقِ الذي
تَرْوَى القلوبُ بهِ وتَشفَى الأكْبُدُ

ولكَ السَّماحةُ والسَّجاحةُ والنَّدى
وهُدى النُّبُوَّةِ والفَعالُ الأَرْشَدُ

نَسَقٌ مِنَ الخُلُقِ العظيمِ كأنَّهُ
فَلَقُ الصَّباحِ وحُسْنُهُ المُتوقِّدُ

تدعو إلى أدبِ الحياةِ وعِلْمِها
وتُنيرُ دونَهما السَّبيلَ وتُرْشِدُ

تَسَعُ الأنامَ جميعَهُمْ لكَ مِلَّةٌ
غَرَّاءُ تَهدي العالميِنَ وتُسْعِدُ

أزليَّةٌ أبديَّةٌ لا سِرُّها
يَخْبو وَلا إشعاعُها يَتربَّدُ

يَزْكو عليها الرُّوحُ فهْوَ مُنَزَّهٌ
عَمَّا يَشِينُ وجوهرٌ يَتوقَّدُ

الوَحْيُ أُسُّ بنائِها العالي الذُّرا
والحقُّ حائطُ رُكنِها والمَحْتِدُ

والفتحُ والعُمرانُ مِنْ آرابِها
والعَدْلُ والعيشُ الرَّخِيُّ الأَرْغَدُ

دُنْيَا أَقَمتَ على العقيدةِ رُكنَها
ومِنَ العقائدِ ما يَشِيدُ ويُخْلِدُ

هيَ هيكلٌ فانٍ فإنْ حَلَّتْ بهِ
رَفَّتْ بها الحَوْباءُ وهْيَ تَرَأَّدُ

ينبوعُها التوحيدُ مَشْرَعُ مائهِ
للواردينَ، ونَبْعُهُ لا يَنْفَدُ

جَمُّ الأيادي فالأنامُ بخَيْرِهِ
وبخِصْبهِ مُتقلِّبونَ وهُمْ يَدُ

ما الناسُ لولا البَغْيُ إلّا أُمَّةٌ
والدِّينُ لولا الجهْلُ إلّا أَوْحَدُ

ما أَحْسَنَ التوحيدَ يَجْمَعُ شَمْلَهُمْ
فيَعودَ وهْوَ مُنَظَّمٌ ومُوَحَّدُ

بسَناهُ أَخْرَجْتَ الشُّعوبَ مِن العَمَى
وهَدَيْتَها للنَّهْجِ وهْوَ مُعَبَّدُ

فاستُؤصِلتْ فَوْضى وقامت دَولةٌ
وخَبَتْ هياكلُ واستنارَ المسْجِدُ

ومشَتْ على يَبَسِ الصَّعيدِ حضارةٌ
باليُمْنِ تُشْرِقُ والهناءةِ تَرْغَدُ

إنَّ الجَمالَ خَفِيَّهُ وجَلِيَّهُ
إكْسيرُها وشُعاعُها المُتجسِّدُ

بُعْدًا لِمفْتونيِنَ لَمْ يُعْرَفْ لهمْ
رَأْىٌ يُجَلُّ ولَا مقالٌ يُحْمَدُ

نَفَوُا الرسالةَ وارتأَوْها دَعْوةً
زمنيَّةً أَفَلَتْ وليسَ لها غَدُ

خُصَّتْ بجيلٍ قَدْ مَضى وبحِقبةٍ
طُوِيَتْ وأَمْرٍ رَثَّ لا يَتَأَبَّدُ

خَسَؤوا فمَا عَرَفَ الحقائقَ ماجنٌ
خَلَعَ العِذارَ ولَا غَبِىٌّ مُلْحِدُ

البعثةُ الكبرى حياةٌ للوَرَى
أَبَدَ الزمانِ ونعمةٌ تَتجدَّدُ

عَمَّتْ ولكنْ قَدْ خُصِصتَ بفَضْلها
يا آخِرًا هُوَ أَوَّلٌ مُتفرَّدُ

إنَّ الأُلَى زعموكَ سَيِّدَ قومِهِ
كَذَبوا فإنَّكَ لِلبريَّةِ سَيِّدُ

شمسٌ، وهَلْ تَختصُّ ناحيةٌ بها
وشُعاعُها في كُلِّ أُفْقٍ عَسْجَدُ؟!

المرْسَلونَ، وأنتَ دُرَّةُ عِقدهمْ
خُتِموا بسرِّكَ في الزمانِ ومُجِّدُوا

أَيَّدْتَ دَعوتهمْ وصُنْتَ جَلالَهمْ
فأَرَيْتَنا كَيْفَ الإخاءُ يُوَطَّدُ!

يا رائدَ الإصلاحِ يَلتمَسُ الهُدى
هذي مَنابعُهُ، وهذا المَوْرِدُ!

ومِنَ العجائبِ معشرٌ أَنجَبتَهمْ
نَبَغوا بدِينكَ في العُلى واسْتَمجَدُوا

مِنْ بَعْدِ رَعْيِ الشاءِ قَدْ رَعَوُا المَلَا
فانصاعَ جَبّارٌ، ودانَ مُسَوَّدُ!

أَطلَعتَهمْ غُرَرًا بآفاقِ العُلى
يَمشي بنُورهمُ الزمانُ ويُسْئِدُ

تَتخايلُ الدنيا بعِزَّةِ مُلْكهمْ
وتَكادُ مِنْ فَرَحٍ بهمْ تَتميَّدُ

مِنْ مُعجِزاتِ الدِّينِ في أخلاقهمْ
خُصُّوا بصنعِ المُعجِزاتِ وأُفرِدُوا

مِنْ كُلِّ وضَّاحِ الجبينِ كأنَّهُ
يَنْشَقُّ في الظَّلْماءِ عنهُ الفَرْقدُ

جَمُّ الجَلالِ تَكادُ تَستذرِي به
شُمُّ الجبالِ ويَتَّقيهِ المُزْبِدُ

يمشي بهمْ لِلفتحِ يَحْدو شوقَهمْ
دِينٌ يَثُوبُ لِآيِهِ المُتشدِّدُ

أَذْكى عزائمَهمْ وأَوْرَى زَنْدهمْ
فاستَفتَحوا سُرَرَ البلادِ وأَبْعَدُوا

نَظَموا المَمالكَ بَيْنَ قُطْبَيْها، ولو
وَجَدوا وَراءَ البحرِ أرضًا أَوْرَدُوا

في حِقبةٍ قَصُرَتْ كأنَّ زمانَها
يومُ الوِصالِ وحُسْنُهُ المُتورِّدُ!

حَفَلتْ بآياتِ الجَلالِ زواهرًا
يَفْتَنُّ فيها الناظرُ المُترصِّدُ

تلكَ الحضارةُ لا حضارةُ زُخْرُفٍ
تُغْري وباطنُها العَذابُ الأسودُ

نارٌ ولا نورٌ وطغيانٌ ولَا
زَجْرٌ وأهواءٌ ولَا مُسترشَدُ

يا رَبِّ أَهْلُ الغَرْبِ جُنَّ جنونهمْ
وطغى القويُّ على الضعيفِ يُعربِدُ

الأرضُ نارٌ والسماءُ جهنمٌ
والبحرُ بركانٌ يثُورُ ويُزْبِدُ

لَمْ يَبقَ شبرٌ لَمْ يُصَبْ بمجازرٍ
أوْ لا يُراعُ بمِثْلها ويُهدَّدُ

عَزَّ السَّلامُ وأَنذَرتْ غاراتُهُمْ
أنّ القيامةَ حانَ منها مَوْعِدُ

يا رَبِّ والقومُ الهداةُ تَعَسَّفوا
سُبُلَ العَمايةِ خَلْفهمْ وتَوَرَّدُوا

هَجَروا سبيلكَ ظالمينَ نفوسَهُمْ
فتَفَكَّكتْ أَوْصالهمْ فاستعْبِدُوا

سَلَبَ الطَّغامُ ديارهمْ واستَأسَدوا
وبَغى اللئامُ جَلاءهمْ وتَوَعَّدُوا

وهُمُ شَتاتٌ دِيِنهمْ مُتفرِّقٌ
سُبُلًا ودنياهمْ شَقاءٌ أَنْكَدُ

شِيَعٌ تَطاعَنُ بَيْنها ومَذاهبٌ
مِزَقٌ وأحوالٌ تُقِيمُ وتُقْعِدُ

قَوْمٌ وراءَ الغَرْبِ في آثامِهِ
رَكَضوا خيولَ الموبقاتِ وأَطْرَدُوا

ومُصَرَّعونَ مِنَ الخُمولِ كأنَّما
أَوهامهمْ سُمُّ يَدِبُّ ومُرْقِدُ

هِيَ أَزْمَةٌ يا رَبِّ لطفُكَ وَحْدَهُ
يُرْجى لها فلعلَّ لطفكَ يُنْجِدُ

النُّورُ أُطفِئَ والزعامةُ أَخْفَقتْ
والبَغْيُ طَبَّقَ والقطيعُ مُشَرَّدُ

يا رَبِّ فلْيَطْلُعْ (كتابُكَ) بالهُدى
يا رَبِّ ولْيُبْعثْ هُناكَ (مُحَمّدُ)


المصدر: "ديوان الأثري" الجزء الأول، مطبوعات المجمع العلمي العراقي.

الاسم
رمز التحقق  أدخل الرقم في خانة التحقق  9109